تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في رحاب دمشق ...لقاء بين شاعرين

دمشق عاصمة الثقافة
الأحد 17/2/2008
هاني الخير

حين وصل الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي (1897-1977) إلى دمشق, في الثلاثينات من القرن الفائت, أثار قدومه المفاجىء الدهشة

القاسية والاستغراب في عيون الناس, الذين شاهدوه, لأول مرة, يتجول بوقار في شوارع العاصمة الرئيسة, بثيابه الصحراوية وعباءته الموشاة بخيوط ذهبية, وقد اعتمر كوفية بديعة وعقالاً يدفع بهما حرارة الشمس.‏

وكان وصوله إلى دمشق, قلب الوطن العربي وملتقى الثوار والأحرار, من أجل الاستشفاء من الأمراض المهلكة التي استوطنت في جسده النحيل, بعد أن عجز الطب السائد آنذاك عن تخفيف آلامه المبرحة.‏

أتيت جلق مجتازاً على عجل فأعجبتني حتى اخترتها وطنا‏

وفي دمشق التي أمضى بها شاعرنا زهاء أربعة عقود, كان لقاء الصافي مع الشاعر فائز سلامة (1895-1941) القادم من الجنوب اللبناني, ليعمل بالصحافة الدمشقية, كمحرر صحافي تارة أو صاحب جريدة طوراً, وكان يروق له أن يطلق الناس عليه لقب شاعر الصعاليك فكان له ما أراد, وذاع صيته في بلاد الشام.‏

ويروي الصافي هذه اللقطة الطريفة عن صديقه وهي مستمدة من صميم حياته بما لفظه:‏

جاءني يوماً صديقي فائز سلامة فرأيته محمر العينين منخسف الصدغين كاسف الوجه. فقلت له ما بالك ? فقال اسكت ! لقد كدت أموت البارحة من مرض ألم بي. فقلت له وهل كنت قبل المرض مدعواً إلى وليمة?! فقال نعم. فقلت سبحان الله ما رأيتك مريضاً إلا وجدتك قبل المرض مدعواً إلى وليمة, وإني أبشرك بأنك ستموت إن مت غداً شهيد وليمة كبرى تقام في دار أحد الأكابر. فأجابني قائلاً أرجو أن تصدق نبوءتك وإني أؤمن بها منذ الآن لأني وجدت جدي وأبي وخالي قد ما توا بداء التخمة.‏

والآن نغتنم هذه المناسبة داعين أصدقاء فائز سلامة, أن يمتنعوا عن دعوته إلى أي وليمة حفظاً لحياة شاعر الصعاليك الذي إذا مات إخوانه من الجوع فسوف يموت ميتة الأكابر من التخمة.‏

وحين ينتقل شاعر الصعاليك فائز سلامة إلى جوار ربه, على أثر مرض عضال, وليس نتيجة التخمة, فإن الشاعر أحمد الصافي النجفي, يبادر وهو يذرف دموعه السخية بنظم قصيدة مؤثرة نختار منها:‏

لك يا فائز بقلبي مآتم‏

لم تطق وصفها الدموع السواجم‏

سوف تبقى وإن رحلت سميراً‏

للنوادي وبسمة في المباسم‏

ولئن عشت بالولائم صباً‏

كنت أشهى مما تضم الولائم.‏

إذاً في رحاب دمشق الشامخة بين عواصم العالم, وبمصادفة سعيدة عفوية, أغنت ديوان الشعر العربي, تم هذا اللقاء الإنساني النبيل, بين شاعرين عربيين جمعت بينهما صلات نفسية واحدة ووشائج مشتركة: حب دمشق.. والتعبد في محرابها.. وتطوير الصعلكة الأدبية بما يتناسب مع ذوق العصر وروحه, فكان النجاح حليفهما ولسان حالهما ما قاله الشاعر: ولا يبقى من المرء سوى الأحاديث والذكر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية