تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تراجع أميركي غير مسبوق

الفايننشال
ترجمة
الاثنين 22-12-2008م
ترجمة: ليندا سكوتي

ليست تكساس بالمكان المناسب لبحث ما تشهده الولايات المتحدة من تقهقر في شتى الصعد، على الرغم مما يبدو من التحاق معظم خريجي جامعاتها بالخدمة العسكرية

لأنهم في الأساس كانوا يتلقون التدريب العسكري ويتشبعون بالأفكار العسكرية عندما كانوا طلبة على مقاعد الدراسة، ومع ذلك فقد عرف عن سكان تكساس أن القلق لا يساورهم إزاء ما يحصل في البلاد، وإن الأزمات لاتأخذ أي حيز في تفكيرهم.‏

في الأسبوع الماضي ، عقد في معهد سكو كرفت للشؤون الدولية في تكساس مؤتمر يهدف إلى مناقشة الدراسة الصادرة عن مجلس الاستخبارات القومي التي تحمل الكثير من المعلومات، وترصد واقع التطورات التي يشهدها العالم، تلك الوثيقة التي اعربت عن الكثير من التشاؤم الذي لم يقتصر على الولايات المتحدة فحسب، وإنما شمل العالم اجمع ، ومما يجدر ذكره أن مثل تلك الدراسة تصدر مرة واحدة كل اربع سنوات عند استلام رئيس جديد للبلاد.‏

بتاريخ 20 من الشهر الماضي ، تقدم مجلس الاستخبارات بتقرير إلى اوباما افصح به عما يتوقعه من ازمات سيشهدها العالم وقد تناولت الغارديان في صفحتها الأولى ذلك التقرير قائلة:« في عام 2025 ستنتهي الهيمنة الاميركية». وكانت في غاية الدقة في قولها هذا لأن التقرير قد أشار بشفافية إلى التباين في النتائج والتوقعات التي خلص إليها التقرير السابق الصادر منذ اربع سنوات، حيث تنبأ الأخير بعالم تلعب به الولايات المتحدة دورا رئيسا في الأحداث العالمية، لكنها لن تكون اللاعب الوحيد في العالم، بينما اشار التقرير السابق إلى استمرار الهيمنة الاميركية.‏

أصيب الاميركيون بالصدمة لأن ذلك القول صدر عن مؤسسة أمنية اكدت بموجبه على أن الدور الأميركي في العالم آخذ بالانحسار الأمر الذي ادى إلى زوال الاعتقاد بأن عهد بوش هو عهد التفرد الاميركي واحادية القطب وأن الولايات المتحدة في تراجع نسبي لكنها لاتزال القوة العظمى في العالم.‏

احداث ثلاثة قادت إلى هذا التراجع، اولها الحرب التي خاضتها في العراق وافغانستان، التي تأكد منها أن التفوق الاميركي العسكري لم يفض إلى تحقيق قصد سياسي، والثاني يتمثل بالنهضة التي اتسم بها الاقتصادان الصيني والهندي وتبين منها أن الايام التي كان يعتبر بها الاقتصاد الاميركي اقوى اقتصاد في العالم اصبحت معدودة، اما الحدث الثالث فهو الأزمة المالية التي تعرضت لها البلاد، وشكلت دليلا قاطعا على فشل الإدارة الأميركية.‏

هيمن التشاؤم على مؤتمر مجلس الاستخبارات القومي وبدا ذلك واضحا في الكلمة الافتتاحية التي القاها الجنرال برنت سكوكرفت (الذي سمي المعهد باسمه) والتي أشار فيها إلى أن الولايات المتحدة بدت أعظم قوة في العالم بعد نهاية الحرب الباردة لكن تلك القوة أخذت بالانحسار بعد فترة قصيرة وامست في طريقها نحو الزوال.‏

لقد كان الوضع الجديد في الولايات المتحدة موضعا للبحث في كثير من الكتب والمقالات وكان من ابرزها كتاب ( العالم ما بعد اميركا) الذي ألفه فريد زكريا، ويقال إنه الكتاب الوحيد ( الذي تطرق للعلاقات الخارجية الاميركية) الذي قرأه اوباما في هذه السنة، حيث أشار به السيد زكريا إلى النهضة التي حدثت في الصين والهند وعدد من دول العالم، مؤكداً أنها لاتشكل تهديداً للولايات المتحدة لذلك انتهى القول إن اميركا في عهد بوش كانت في اوج قوتها.‏

كتاب آخر عالج الوضع الجديد، وهو كتاب ( حدود القوة) لمؤلفه اندروا باكغتيش ( المؤرخ المنتمي لجماعة المحافظين والضابط في القوات العسكرية الذي فقد ابنه في حرب العراق) الذي ورد فيه أن القوة الاميركية لاتتناسب مع الطموحات والعجرفة والفوقية التي تكتنف حكوماتها.‏

أما رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس الذي يعتبر عميد المؤسسة السياسية الخارجية فقد قال إن زمن القطب الواحد للولايات المتحدة قد ولى.‏

ذكر وليام ولفورث من جامعة داتماوث في كلمته أمام مجلس الاستخبارات القومي في تكساس أنه سبق للولايات المتحدة أن مرت بتراجع مماثل وذكر بما ورد بكتاب «النهوض والسقوط للقوى العظمى» لمؤلفة باول كيندي الصادر في عام 1988 الذي ورد به أن القوى العظمى قد استسلمت للامبريالية واشار إلى ماحصل من عجز في الميزانية إبان عهد ريغان وإلى القلق الاميركي حيال تنامي القوة الاقتصادية لليابان في ذلك الحين، لكن الهواجس الناجمة عن التراجع الذي تحدث عنه كيندي قد تبددت في ضوء ما تحقق من نصر بعد الحرب الباردة من جهة وعدم تحقيق اليابان لمعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة، فضلا عما حدث من ازدهار تقني كبير في عهد كلينتون، كل تلك الأمور عززت الثقة بالعظمة الأميركية إبان عهد بوش.‏

انتاب القلق بعض الاميركيين ابان الحرب الباردة تحسبا من تحقيق الاتحاد السوفييتي التفوق على الولايات المتحدة، وفي ضوء أزمة الثقة بالقدرات الاميركية بسبب الحرب في فيتنام، وقد حذر ريتشارد نيكسون من أن تظهر الولايات المتحدة بمظهر العملاق المشلول المثير للشفقة، ذلك لأن اليابان كانت تعتبر المتحدي الأول للتفوق الاميركي أما الآن فقد حلت الصين في هذا المقام.‏

هذا وقد أشار البروفسور ولفورث في متن كلمته التي ألقاها في مجلس الاستخبارات القومي إلى أن القوة الآخذة بالتطور لا تستطيع تحقيق نهوضها واستكمال قوتها الاقتصادية إلا عبر تكوين قوة سياسية لها.‏

لاريب أن ما تشهده الولايات المتحدة من تراجع يختلف عن سابقاته إذ إن النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الصين لم يستطع الاتحاد السوفييتي بلوغه فضلا عن أن مقومات الصين في شتى المجالات يجعلها في موقع التحدي للولايات المتحدة أكثر من أي بلد آخر مثل اليابان.‏

ونافلة القول:إن التراجع الذي تشهده الولايات المتحدة في هذا الزمان يختلف اختلافا بيِّنا عن كل تراجع سبقه.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية