تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


متــــــــــــى...؟!

آراء
الاثنين 22-12-2008م
جلال خير بك

اكتشف العرب (متأخرين!) أن أهم الأسلحة هي الحجارة والأحذية!!.. فمن الطفل محمد الدرة إلى الصحفي منتظر الزيدي كانت الكرامة العربية الصامتة تصان بمقاومة الاحتلال بقذف الحجارة على الجنود الصهاينة،

وبتقبيل جورج بوش قبلة الوداع بفردتي حذاء!‏

إنه لمن المحزن حقاً أن تشتعل الشوارع العربية، وتعمها المظاهرات تأييداً لما قام به منتظر، بينما عروش الحكام العرب يجللها الصمت والخوف وتأييد ذلك الكابوي الأرعن الذي أمضى عهده (ثماني سنوات) بالقتل والتدمير والإبادة والتشريد ليعتذر في النهاية عن أن مافعله في العراق كان خطأ مبنياً على معلومات كاذبة أثبتت الوقائع والأيام بطلانها، وأن العراق لايملك سلاحاً نووياً!! كما أثبتت سابقاً أن الطفل محمد الدرة لم تكن لديه صواريخ عابرة للقارات!!. أي عالم هذا؟.. وأي أمة هذه؟!.. وهل بات العقم عنواننا العريض حتى إن كرامتنا لم تجد ثأراً لها إلا بفردتي حذاء!!؟‏

إن التقدير الكبير لما قام به منتظر الزيدي لم يأت من فعله وحده.. بل من الاحتجاج على عجز حكام هذه الأمة وقعودهم عن الثأر لكرامتها المهدورة، كرامتها التي مرغها رجل أفاق قيض له أن يتبوأ «عرش الحكم» في بلاد « الولايات المتحدة»: التي قامت أصلاً على المذابح... فما كادت تفرغ من إبادة عشرين مليون هندي أحمر وهم سكان البلاد الأصليون.. حتى اشتعلت فيها الحرب الأهلية وقضت على من قضت و«وحدت!» جنباتها وولاياتها بالقوة بينما كانت في الأساس تغلي بفعل القلاقل القومية لأناس من كل قوميات العالم، لملمتهم المصادفة و الجشع والتخلف والوحشية، حالمين بأمريكا الغد وبثرواتها التي حرم منها شعبها الأصلي «الهنود الحمر» ليتمتع بها شذاذ الآفاق!!‏

وبالعودة إلى تاريخ رئيسها الحالي «بوش» الذي سيغادر البيت الأبيض قريباً وغير مأسوف عليه... نجد أنه كان من أولئك الشذاذ مثل غيره.. فجدوده الأول كغيرهم، قامت قائمتهم في الأصل على حساب الهنود الحمر حيث اغتصبوا أرضهم وأبادوهم وسرقوا ثروات بلادهم من ذهب ومنتوجات زراعية ومعادن وبترول.. و..‏

وها هو اليوم وقد أشرفت ولايته على الانتهاء يعتذر من الشعب العراقي عن أخطائه التي بنيت على معلومات كاذبة!!.. يعتذر وكأنه لم يفعل شيئاً بعد قتله وتعطيله وتشريده الملايين من العراقيين وتدمير بلادهم ولاذنب لهم سوى أن أرضهم تملك مخزوناً نفطياً كبيراً!!‏

والأشد قسوة في هذا الأمر هو سكوت كثير من الحكام العرب عما قام به بوش حفاظاً على كراسيهم وعلى رضا سيدهم الأفاق المتصهين ! فأين «هبوبكم العربي!» لنجدة الملهوف ونصرة الأخوة وأنتم تدقون «الكأس بالكأس» وتشربون نخب ذلك الكاوبوي الأزعر الذي ولغ كثيراً في الدماء العربية بينما تحرمون على امرأة قيادة سيارة لأن ذلك حرام!!.. وبدل أن تشكروا «منتظر» لأنه ثأر لشرفكم وقفتم منه موقف المتفرج الشامت، وقال كثير من إعلامييكم ومثقفيكم إن لم نقل مسؤوليكم: إن قذف جورج بوش بالحذاء كان تصرفاً غير لائق!!... فما هو اللائق إذن؟ هل هو قتل وتدمير العراق؟!.. ألم يتحرك فيكم الضمير العربي؟ كلا.. كما لم يتحرك في أولئك الحراس «العرب»: حراس رئيس الوزراء العراقي حين انهالوا بالضرب والتكسير على جسد فدائي شريف ثأر لكرامتهم المهدورة وبلادهم المستباحة المنهوبة؟!‏

إن من رأى فيلم «فهرنهايت» لمخرجه الأمريكي مايكل مور سيشعر بالخجل نيابة عن العرب.. لأن السكوت الذي اعتراهم عند تدمير العراق، لم يتحمله ذلك المخرج المنصف بل صور في مشاهده كلها: مأساة العراق وأهله.. مأساة انتهاك أرضه وكرامته.. وتابع تصوير المآسي التي ارتكبها هنالك الاحتلال الأمريكي.. حتى إنه «طارد» كل سيناتور أمريكي استطاع التحدث إليه وسأله: لم لاترسل ابنك إلى العراق ليدافع عن الديمقراطية والحرية؟!.. ولم لايوجد سيناتور منكم أرسل ابنه جندياً إلى العراق؟!..‏

وصور بحزن فائق مشاهد كثيرة عما جرى في بلاد الرافدين من هدر للكرامة والإنسانية، كما صور ادعاءات بوش وأركان حكمه وكذبهم بأنهم «يدافعون عن قضية الحرية والعدالة والديمقراطية ويسعون إلى إعادتها للعراق بعد تخليصه من الديكتاتورية هنالك ومن سلاحها النووي!!».. كما لم يفته تصوير واستطلاع آراء وأقوال ومشاعر الكثير من العسكريين وندمهم لأنهم جاؤوا إلى العراق ليقتلوا أناساً بسطاء مسالمين وأبرياء!!‏

ولعل الأبرز هو تصويره لـ«رامسفيلد وديك تشيني والسمراء الفاقعة كوندي» وهجمتهم الحضارية على العراق بسبب الصلة بين رئاسته وحكومته، مع تنظيم القاعدة الذي نفذ هجمات الحادي عشر من أيلول!!‏

ولابد هنا أن نتذكر «تهذيب وحضارية» رئيس الوزراء العراقي في محاولته رد الحذاء عن وجه جورج بوش.. والحضارة الراقية لحراسه الذين انقضوا على الصحافي منتظر الزيدي وكسروا عظامه بينما هو يثأر لكرامة العراق وشعبه ومنها الكرامة المفترضة لرئيس وزرائه وحراسه أيضاً!!.‏

ولايكتمل المشهد المؤسي إلا حين يعرقلون مجيء المحامين العرب إلى بغداد إثر تطوع المئات منهم للدفاع عن ذلك البطل العراقي.. ويختمون مهرجانهم التهريجي بحفر خندق على الحدود العراقية السورية «لضمان عدم تسلل أحد إلى العراق» إرضاء لسيدهم جورج بوش الأفاق!!‏

إن العالم كله يلهج ببطولة منتظر الزيدي بينما كان عدد من الإعلاميين والمثقفين الخليجيين وحتى العراقيين: يرون في تصرف منتظر «قلة أدب-وتصرفاً غير راق» لأن سلاح الصحفي هو القلم فقط متناسين آلاف الأحذية الأمريكية الهمجية التي داست وانتهكت أرض وكرامة العراق بل كرامة العرب كلهم.. فمتى تتحول مئتا المليون عربي إلى منتظرين زيديين؟!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية