فقبل حوالي خمسة آلاف سنة عرفت مدينة حلب صناعة الصابون، حتى انها صنّفت من بين الصناعات الأثرية، حيث امتازت بصناعة صابون الغار بمكعباته الكبيرة وميزاته الكثيرة , وحاز شهره كبيرة , كما اعتبر الأقدمون صابون حلب الغار والمطيب أفضل صابون في العالم، اذا ما علمنا أن المواد القلوية لا تتجاوز 15 في المئة منه بينما هي في الصابون الآخر تتجاوز 25 في المئة وتبلغ رطوبته 6 في المئة تتدنى إلى 2 في المئة خلال عام، ويطلق صابون الغار على الصابون المصنوع يدوياً من زيت الزيتون وزيت الغار وهو أحد أهم المنتجات السورية الأصيلة التي وجدت في مدينة حلب منذ القدم لذلك عرف عالمياً باسم صابون «حلب».
عن هذه المهنة «صناعة الصابون» والتي امتهنها أهلها قديماً يقول عبد البديع زنابيلي صاحب مصبنة وقد توارث عمله عن الأجداد: تعود إلى حوالي 1000 -1200 سنة، وأولى المصابن في حلب لا تزال حتى الآن وهي موجودة إلى جانب جامع «العثمانية» وأمامه وأخرى تتوضع بجانب جامع «الحموي» في محلة «البياضة» وأخرى بحارة «الباشا» .
لم تتغير طريقة صناعة الصابون بشكل كبير منذ بدايته ، حيث لازالت تحافظ على طريقة الإنتاج التقليدي التي هي أغلبها طريقة شبه يدوية، وقد ازداد عدد المصابن من « 12» مصبنة في الستينيات من القرن العشرين إلى أكثر من «100» مصبنة في الوقت الحاضر، وقد تحولت هذه الصناعة إلى أسرار عائلية توارثتها العوائل أباً عن جد، ويسمى تاجر وبائع الصابون في حلب « الصابوني « .
قبل الحرب العالمية الأولى كانت تنتج حلب قرابة الألفي طن من صابون الغار أما حالياً فيتجاوز إنتاجها 25 ألف طن من مختلف أنواع الصابون وتصدر قسماً كبيراً من الإنتاج الى الاسواق المحلية، والقسم الاخر الى الاسواق الخارجية العربية منها والاوروبية .
اضافة الى صناعة صابون الغار، هناك أيضاً صناعة الصابون البلدي المستخدم من زيت النخيل إلى جانب الصابون المطيب الصغير بأشكاله المختلفة .
بلغ عدد الحرفيين المرخصين من قبل الجمعية الحرفية لصناعة الصابون في حلب لمزاولة هذه الحرفة في المدينة 184 حرفياً وعدد المسجلين منهم والمنتسبين للجمعية 80 حرفياً، أما عدد المصابن المرخصة وغير المرخصة 220 مصبنة تؤمن فرص عمل لنحو 4 آلاف عامل وحاجتها السنوية من زيت المطراف تقدر بـ 120 ألف طن في حين الكمية المنتجة محلياً منه لا تزيد على 30 بالمئة من الحاجة الفعلية .
لم تقتصر شهرة حلب في صناعتها التقليدية على صناعة الصابون بل امتازت بصناعة النحاس حيث يعتبر هو الاخر من الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها المدينة، وما زالت هذه الصناعة تحافظ على ألقها في أسواق حلب القديمة، رغم إغلاق الكثير من أصحاب المهنة محالّهم ومشاغلهم، ليتحولوا إلى مهن أخرى، لأسباب تعود إلى الإمكانات المادية وضعف الترويج، ولتنحصر هذه الصناعة بتصنيع الأواني النحاسية من «الطناجر والمناسف العربية والحلاّت والمقالي والمصافي النحاسية»، إضافة إلى بعض الأواني والتحف الجديدة، بعد دخول الآلة إلى هذه المهنة، ومنها السيوف ومناقل الجمر وبعض أنواع «الصواني» المزينة والمزخرفة، ودلال القهوة العربية، وبعض «الصواني» المنقوشة، فيما لجأ صناع المعادن إلى استعمال خامتين من النحاس لصناعة الأواني، وهما تختلفان من حيث المظهر واللون، وهما النحاس الأحمر، ويستخدم عادة في صناعة الأواني الضخمة المخصصة للطهو أو حفظ الماء، والنحاس الأصفر الذي يكتسب لونه المميز من سبكه مع الزنك، وإذا كانت الزخرفة بالحفر أو الحزّ شائعة في أواني النحاس الأحمر، فإنّ منتجات النحاس الأصفر غالباً ما تزخرف بطريقتي « النيلو والتكفيت» .
واذا كانت صناعة الصابون والنحاسيات قد أضافت الى حلب شهرة على شهرة، فإن صناعات اخرى كان لها حضورها في اسواق حلب القديمة، كما كان لها مكانة لدى المشتري السوري، والسائح الذي يزور حلب، ومن اهم هذه الصناعات التقليدية التي شاركت الصابون والنحاسيات ألقهما صناعة الأزياء والملابس الشعبية وصناعة الأحذية بمسمياتها القديمة، والكحل، والصناعات الخشبية، الصناعات الزجاجية، الصناعات الجلدية، وصناعة الخزف، والفسيفساء .