هذا هو القضاء التونسي الذي لا نريد التشكيك في نزاهته واستقلاليته
مع اصرارنا وأملنا طبعا في وجوب تطهيره من الفساد والتبعية،وقد أطلّ علينا – دون سابق إنذار – بحكم صاعق يكاد يهزّ ثقة مواطنيه.
قد يبدو الخبر عاديّا،متوقّعا - وربّما مخفّفا - في بلد خليجيّ أو إسلاميّ متشدّد،لكنّه عاجل،صاعق،بل ويحتل الصفحات الأولى في الجرائد التونسية المتباهية حديثا بأنها لم تعد مكمّمة ولا (مسبّحة) باسم الحاكم الأوحد.
غضّت هذه المحكمة العجيبة الطرف عن حملة الهراوات والسكاكين من مثيري الشغب والفوضى،تجاهلت دعاوى وشكاوى المواطن المهدّد في أمنه ورزقه وعرضه وانبرت تلوّح بعصا التشدّد إزاء عاشقين يرتكبان الحبّ... ولا شيئ غير الحب.
قد يتصف هذان العاشقان بشيء من الرعونة والميوعة والتسيّب في نظر المحافظين والمتّزنين،قد تجرح قبلتهم مشاعر بعض المحرومين من نعيم الحب،قد يجانب هذا الفعل الحكمة بضرورة التستّر عن حالة خاصة لا ينبغي لها أن تشاع وتستهلك في العلن،وذلك لخصوصيتها لا لفحشائها أو(مشانتها)....لكني لا أعتقد بأنّ هذه القبلة (القنبلة) قد أحدثت أضرارا بالممتلكات العامة والخاصة وهدّدت أمن المواطن وأضرّت باقتصاد البلاد وسياسته الخارجية...وعملت على تقويض أركان الحكومة التي تدّعي الشرعية والتحدّث باسم الشعب.
لم نشاهد من قبل مواطنا (صالحا) يبلّغ عن قبلة في الطريق العام ويتشكّى من عاشقين يهدّدان سلامته مثل عبوة مزروعة في حاوية أو حتى حفرة في الطريق.
لم يتسلّح هذا الشاب وهذه الفتاة إلاّ بالحب الحلال ولم يمتشق واحد منهما إلاّ خصر الثاني،لم ينسفا إلاّ الحقد،لم يروّعا إلاّ المعقّدين،ولم يفجّرا إلاّ فضيحة قضائية يندى لها جبين مدّعي الحرية والكرامة...إن كان لا يزال لديهم جبين بعد أن أعاروا الجباه والآذان لحرّاس الأخلاق الجديدة.
كيف يتجرّا هذا القاضي الذي أطلق حكمه (القرقوشي) – كي لا نتّهم منظومة القضاء كلّها -،كيف يتجرّأ على التحدّث باسم الشعب الذي أولاه ثقته وانتظر منه البتّ في ما هو أخطر من قبلة عابرة في الطريق وأشرس من شفاه عاشق لا تتقن إلاّ الغزل والتقبيل في عصر الكراهية والعنف اللفظي والبدني.
هل صار الحبّ هو الفريسة الأضعف في زمن الحقد، والدابّة الأقصر والأسهل للركوب في موسم الديناصورات والمستحثّات والزواحف القادمة من كهوف الماضي.
هل تمسي تونس - التي طالما افتخر بها العرب كبلد يعانق الحداثة والانفتاح – مرتعا لفلول الوهابيين والتكفيريين،ساحة لعشاق القبح والتجهّم ومنبرا لأعداء البهجة والجمال؟!.
لعلّهم يكافئون المجرمين على جرمهم ويعاقبون العشاق على عشقهم....هل صارت للقبلات أنياب في بلدي...وللهراوات والسكاكين والذقون المغبرّة والنظرات العابسة رائحة الحلم الذي نخشى أن ينقلب إلى كابوس...أم أنّ قرطاج تبقى عصيّة عن الانحناء والركوع.
hakemmarzoky@yahoo.fr