تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ســـيرة الحـــــب.. الرجل الذي أصبح طفلاً

ساخرة
الخميس 14-1-2010م
خطيب بدلة

تحدثنا فيما مضى من حلقات هذه السلسلة عن قصة من الخيال العلمي كتبها زميلنا القاص بشار البطرس.. فيها طبيب يزعم أنه توصل إلى اختراع من شأنه إرجاع عمر الإنسان إلى الوراء بقصد شفائه من مرض خطير ألم به...

وقد قرأت هذه القصة في مجلس ضم لفيفاً من الأدباء والصحفيين وزوجاتهم، فكانت تعليقاتهم عليها متباينة، وصرحت إحدى زوجات الأدباء بأنها لو عادت بعمرها إلى الخلف لاشترطت على الشخص الذي ستتزوجه أن لا يقرأ كتاباً أو جريدة، ولا يكتب، وليست له أي علاقة بأدب أو صحافة أو ثقافة، نكاية بزوجها الذي أذاقها (الكراتي) من خلال عقدة المثقفين التي تسيطر عليه.‏

قال أبو مازن: أنا أتمنى أن يبلغ العالم في يوم من الأيام هذا الشأن الرفيع فيعالج الناس ويخفف آلامهم، ويجعل ضحكاتهم تقرقع على عرض الدروب، لأن الضحك نشاط عظيم ما برحت البشرية تتخلى عنه يوماً بعد يوم.‏

إن طريقة الأديب أبي عدنان تقوم على التكويع، والتقديم والتأخير والتظاهر بالبراءة ثم تفاجئ المستمع بتطورات غريبة يستنتجها من خياله الخصب.‏

قال أبو عدنان معلقاً على الاختراع المزعوم: ولكن، يا شباب، وككل الاختراعات العظيمة، فإن هذا الاختراع له محاذير يجب أخذها بعين الاعتبار فلنفرض أن أسرة سورية تتألف من رجل شجاع - على حد تعبير أستاذنا حنا مينة - وأم ولود مثل الأرانب، تحبل السبت وتلد الأحد، خلفا تسعة أولاد أذكياء ملاعين شاقي الأرض وطالعين، والصغير بينهم، على قولة أهل معرتمصرين، يدق الثوم بعكسيه!..‏

استدارت الأبصار نحو أبي عدنان، وساد صمت مترقب، فتابع يقول: ولنفرض أن هذه الأسرة كانت تعيش حياة مستورة، وتعتمد بالدرجة الأولى على القوة العضلية للأب، وفجأة أصيب الأب، بعيداً عنكم، بالسرطان، فما الذي سيجري بعدئذ؟‏

تداخلت الأصوات والإجابات، ولكن أبا عدنان أسكتهم بإشارة من يده وقال: لاشك أن رب الأسرة هذه سيبيع دار السكن وأثاث البيت والفرش واللحف وحتى أدوات المطبخ، ويذهب (سكارسا) إلى ذلك الطبيب النطاسي البارع، ويشتري منه ما يكفيه من الدواء الخاص بإعادة العمر إلى الوراء، ليصبح في عمر ما قبل الإصابة.‏

وقد تناول هذا الرجل الدواء، فرضاً، وبدأ عمره يرجع إلى الوراء، حتى شفي من مرضه، ولكن لعبة الرجوع بالعمر لابد أن تستهويه، فيستمر بتناول الدواء فيصغر ويصغر حتى يصبح في عمر الجيل الثالث أو الرابع من أولاده الصغار، ويصبح محتاجاً لرعاية إخوته الكبار من الأجيال السابقة، ويصادف أن يختلف مع أقرانه الصغار حول الكرة، أو الدبدوب، ويتطور الخلاف إلى مشاجرة، ويتقدم منه أحد إخوته وهو صبي قوي البنيان ويرفسه رفسة يطيش لها صوابه، أو يرقعه كفاً يجعله يصيح بالمقلوب، فيركض ليحتمي بأم الأولاد التي كانت في يوم من الأيام زوجته، ويلقي نفسه في حضنها وهو يبكي ويشهشه، وهي تطبطب بكفيها على كتفه وتقول له:‏

- ما عليك حبيبي، والله لأنيمهم في أسرتهم حفايا، وإذا اشتريت لك شوكولاه لن نطعمهم منها!‏

انفلت الحاضرون بضحك صاف جميل وهم يتخيلون رب الأسرة الذي كان النسر يحط على شاربيه، ذا العضلات المفتولة، والنظرة التي تيبس أفراده الأسرة في أماكنهم كالحطب، قد تحول إى ولد رقيق غض الإهاب يركض هارباً من الخطر، متلفتاً وراءه مثل كشاشي الحمام.‏

فجأة قالت أم عدنان:هل تعرفون ماذا كنت أفعل لو صارت هذه القصة معي أنا؟‏

قال أبو مازن: أنت أم، وغريزة الأم قوية جداً، ومؤكد أنك سوف تحنين عليه كأنه واحد من أولادك، وستبعدين عنه الخطر وتكفكفين دموعه وتنتصرين له تجاه الأطفال الآخرين المعتدين.‏

قالت أم عدنان: مع احترامي لرأيك أخي أبو مازن، أنت لم تحزر، فأنا، لو حصل ذلك فرضاً لما توانيت في طرده من حضني، هذا إذا لم أؤاجر به وأرقعه كفين على البيعة!‏

انزعج أبو عدنان من كلام زوجته وقال لها: أراك قلبت القصة إلى الجد يا أم عدنان، حسناً، ممكن أعرف لماذا ستفعلين ذلك؟‏

فقالت له: أنا لن أقول لك عن السبب، أرجوك فقط أن تتذكر المواقف التي كنت تبكيني فيها، وحينما أكون بحاجة إلى حضنك كنت تدفعني بقوة لأقع على الأرض!‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية