تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اليوم الأخير في حياتهم .. خليــــــل حــــــاوي.. وتدميـــــر الــــــذات

ثقافة
الخميس 14-1-2010م
هاني الخير

في يوم الأحد السادس من حزيران عام 1982 وبتحديد أدق الساعة العاشرة ليلاً كان الشاعر خليل حاوي أستاذ مادة النقد الأدبي في الجامعة الأمريكية يتجول وحيداً دون هدف واضح في شوارع بيروت وحاراتها التي فرغت من الناس من جراء الاجتياح الإسرائيلي المباغت لجنوب لبنان الشقيق

حيث كان يسمع من بعيد صدى أصوات الانفجارات الغامضة والأعيرة النارية المجهولة المصدر التي تنذر بكارثة قادمة لا محالة.‏‏

الشاعر الوقور المتجهم الوجه يصعد الدرجات الرخامية التي توصله إلى شقته بريبة ودون أن يثير ضجة لكيلا يسترعي انتباه جيرانه، ويدخل إلى غرفته المزدحمة بالكتب العربية والأجنبية ويلقي نظرة عجلى على ديوانه الشهير «نهر الرماد» الصادر عام 1957 ويتعمد أن يفتح على الصفحة التي ورد فيها هذا المقطع المؤثر:‏‏

اخرسي يا بومة تقرع صدري‏‏

بومة التاريخ مني ما تريد؟‏‏

في صناديقي كنوز لا تبيد.‏‏

ويمضي حاوي وهو من مواليد «الشوير» عام 1919 إلى شرفة غرفته التي تطل على البحر، حاملاً بحنان بندقيته الشخصية، ويطلق رصاصة يتيمة على رأسه المبدع شأنه في ذلك شأن الكاتب الأمريكي أرنسب همنغواي مؤلف رواية «لمن تقرع الأجراس» الذي أنهى حياته الصاخبة بطلقة من البندقية التي كان يصطاد بها الوحوش في غابات إفريقيا، وقد تعمد الدكتور خليل حاوي أن يكون سقوطه الأخير بجانب الفتحة الدائرية التي تصرف الماء، لكيلا يرهق من سيقوم بتنظيف الشرفة من الدم الذي سينزف منه ولاسيما إذا عرفنا أن حاوي كان يخاف أن يشاركه في شعره مشارك، ولم يشأ أن يتخذ للشعر الذي تماهى معه ضرة.‏‏

لم يقل حاوي شيئاً ..ولم يكتب وصيته.. ومبررات انتحاره.. كل ما قاله صباح يوم وفاته: «مين بدو يشيل هالذل عني.. أين العرب؟»‏‏

وفي هذا الشأن يقول طبيبه نسيب همام: «ليس في وضعه النفساني ما يمكن اعتباره خارج المألوف، كنت أتابع حالته الصحية التي لا تتعدى وضع من يحيا في توتر عال ومستمر.. أرق كثير كان ينتابه ويعالجه ببعض الحبوب المهدئة».‏‏

كان القدر الجامع في شعر حاوي كله برأي الدكتور حسين مروة، هو أنه يحمل هماً كبيراً من هموم عصرنا الحالي، أعني به أولاً هذه الثورة التي تجتاح الأشكال الشعرية التقليدية بعد أن أصبحت عاجزة عن استيعاب تجارب العصر المعقدة وأعني به ثانياً هذه المعاناة لمعضلات إنسانية فلسفية هي من مستلزمات الإنسان الشاهد عصره الحاضر شهوداً فعلياً:‏‏

ليلة تمضي وماذا بعدها قل لي‏‏

جبان أنت، قل آخر ليلة‏‏

لا تهدهد وجعي، كفاك من صخر‏‏

وفي عينيك أعياد ذليله‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية