|
السياحة في سورية.. مقوماتها مثالية.. صناعتها بدائية .. ترويجها عشوائي?! تحقيقات بينما تقبع كنوز أثرية بكامل عبقها التاريخي وغناها الفكري بعيدة عن الاهتمام الكافي والترويج المناسب ويختزل جمال وسحر مناطق طبيعية بمجمل تضاريسها في بضع آلاف من البروشورات ومعارض موسمية لا تغطي في حقيقة الأمر إلا جزءاً يسيراً مما هو موجود,
رغم زيادة مخصصات ميزانية الترويج السياحي فهذه الزيادة لا يمكن أن تعني بحال من الأحوال أن عملية الترويج السياحي ترقى وتتناسب مع ما تزخر به بلادنا وما تمتلكه من مقومات سياحية تؤهل هذا القطاع لأن يكون مصدر الثروة القادم بدل النفط فليست ببعيدة منا تجربة الجارة التركية التي حصدت فقط خلال الأشهر التسعة الأخيرة من هذا العام 8,6 مليارات دولار كعائدات من السياحة والتي لا تزيد عما هو موجود لديها من مقومات من سورية مهد الحضارات الإنسانية وينبوع الجمال الطبيعي الذي تغنى به الأدباء والشعراء. ويبقى التساؤل لماذا لا تزال السياحة تحتل مكاناً لا يليق بها كقطاع اقتصادي مهم ولماذا لا تزال السياسات الترويجية قاصرة.
بداية التقينا عدداً من السياح العرب والأجانب في عدد من الأماكن الأثرية والسياحية التي كانوا يزورونها وقد تركزت ملاحظاتهم الأساسية على ضعف الترويج والتسويق مقارنة بما تحفل به سورية من مواقع أثرية وأماكن سياحية والافتقار إلى المعلومات الكافية في البروشورات والمطبوعات التي توزع للتعريف أكثر بالمواقع السياحية ولا سيما مناطق ذات أهمية تاريخية كبيرة حتى أبناء البلد أنفسهم قد يكونون لم يسمعوا بها إضافة إلى التركيز على ضعف ا لثقافة السياحية لدى معظم الكوادر العاملة في مجال السياحة كما لفت معظم الذين استطلعنا آراءهم أن البنية التحتية والمرافق الخدمية لا تزال بعيدة جداً عن المستوى السياحي العالمي. وللوقوف على ما ذكرناه آنفاًَ وضعنا رحالنا في البداية في الجهة المعنية بالدرجة الأولى بهذا القطاع وهي وزارة السياحة فقد أكدت الآنسة بانة أن الميزانية الجديدة التي تم تخصيصها للترويج بلغت 5 مليون دولار فيما بلغت الميزانية السابقة 1 مليون دولار ولم تذكر لنا تفصيلات حول ما تم صرفه من الميزانية الجديدة لوجود عمليات تتعلق بجرد حسابات آخر العام لافتة الى ان الوزارة هي المسؤولة الوحيدة عن صرف هذه المبالغ كما بينت أن الوزارة تعمل باستمرار على تكثيف جهودها الترويجية في إطار ما تم إقراره من رفع ميزانية الترويج في عام 2007 بنسبة 350% وقد قامت الوزارة بدراسات تسويقية وترويجية لتحديد الأسواق السياحية وتحديد النشاطات الترويجية في الدول التي سنتوجه إليها ودراسة الأسواق المصدرة للسياح ومتطلباتها ووضع سلم الأولويات لافتة إلى تحضير جملة الفعاليات الإقليمية والعالمية لتحقيق زيادة في أعداد السياح والانفاق السياحي
وإظهار الصورة الحقيقية لسورية والتي يتضمن المشاركة في عدد من الدول العربية والأوروبية وإقامة المعارض والمشاركة في ا لمعارض السياحية الدولية وإطلاق حملات ترويج مكثفة في الدول الرئيسة المصدرة للسياح مع السعي للتأكيد على الأسواق التقليدية والتوجه إلى أسواق جديدة كما بين مدير التسويق في الوزارة أنه تمت في هذا العام إضافة لذلك إطلاق قوافل ترويج سياحي في العديد من الدول العربية والأجنبية كما تم دعوة الشركات السياحية ودعوة مئات الإعلاميين وإطلاق الحملات الإعلانية و الإعلاميين الداخلية والخارجية في الصحف والقنوات الفضائية العالمية والعربية. وحول الأشياء الجديدة المعتمدة في السياسة الترويجية المتبعة تشير الآنسة تميم إلى إشراك مواطني الدولة نفسها التي يروج لها في القوافل الترويجية والذين لهم دور في التأثير على الرأي العام, فمثلاً في العاصمة البريطانية لندن قام عمدتها السابق بالمشاركة في ورشتي عمل أقامتها الوزارة هناك وكاتبة بريطانية كتبت دليلاً سياحياً عن سورية وتعاقدت مع شركة توماس كوك وهي من أكبر الشركات السياحية في العالم لتكتب لها دليلاً خاصاً للشركة عن سورية كما قامت الوزارة بإصدار بروشور تحت عنوان (سورية في عيونهم) جمعت فيه مقالات لعدد من الصحفيين الذين زاروا سورية وبجميع اللغات وهو حسب الآنسة تميم يلقى أثراً إيجابياً نظراً لكون المقالات تعطي النصيحة الصادقة ومن قبل أناس موثوقين عن سورية.
وحول النتائج التي أثمرتها هذه الجهود خلال العام الحالي? أشارت مديرة التسويق إلى زيادة واضحة في عدد السياح بلغت حتى نهاية الشهر الثامن 2,192 مليون سائح ما عدا العراقيين فيما كانت الفترة نفسها من عام 2006 شهدت قدوم 2,115 مليون سائح منوهة بجهود الوزارة الدائمة لزيادة أعداد السياح القادمين إلى سورية وبأن الوزارة تبحث باستمرار لتحسين سياساتها الترويجية والتسويقية للسياحة في البلاد. سورية متحف في الهواء الطلق الدكتور بسام جاموس مدير عام الآثار والمتاحف بدأ الحديث بالإشارة إلى أن ما هو متبع حالياً من سياسات ترويجية لا يرقى إلى الكنوز التي تزخر بها سورية واصفا إياها بأنها متحف في الهواء الطلق فهناك أكثر من عشرة آلاف موقع أثري مكتشف منها ما هو مؤهل ومنها ما هو قيد التأهيل ناهيك عن كثير منها لم يكتشف بعد. واعتبر الدكتور بسام أن إنشاء قناة إعلامية سياحية هو من أبرز الأولويات التي يجب لحظها فيما لو أريد للترويج أن يخدم بشكل أو بآخر السياحة إضافة إلى ضرورة دعم القطاع الإعلامي وتطويره بشكل أكبر للتعريف بالمناطق السياحية في سورية وتأهيل ما هو موجود من كوادر عاملة في القطاع السياحي.
وبين الدكتور بسام أن مديرية الآثار تبذل جهوداً مكثفة بالتنسيق مع وزارة السياحة حيث تهتم المديرية بإقامة المعارض الأثرية الحية في عدد من العواصم الأوروبية وأن معرض رافيينا المقام في إيطاليا استقطب وحده 300 ألف زائر ومعرض القطع الإسلامية في قلعة شلابور بالنمسا استقطب 400 ألف زائر مبيناً أن ما هو موجود من آثار ومقومات سياحية سيكون ثروة حقيقية فيما لو أتيح له الترويج والتسويق المناسب فهناك الكثير من العمل والجهد الذي يجب أن يبذل للتعريف أكثر بقطاع السياحة في سورية الذي بدأ من وجهة نظره يخطو خطوات على الطريق الصحيح معتبراً أن ذلك يحتاج إلى عمل مؤسساتي متكامل للوصول إلى النتائج المرجوة. وشدد الدكتور بسام على أن ذلك يجب أن يترافق ببيئة سياحة تمتلك البنية الخدمية المميزة والمرافق السياحية القادرة على تأمين الراحة والخدمة الممتازة وإدراج الثقافة السياحية في المناهج الدراسية حتى يتواكب ذلك مع التطور المتوقع في مجال السياحة. نتجاهل الفعاليات الأخرى مديرة العلاقات العامة في مؤسسة الطيران بينت أن مستوى الترويج السياحي لايزال دون الطموح كما أن طريقة عرض المنتوج السياحي لاتزال تركز على الفعاليات الاقتصادية والتجارية دون الاهتمام الكافي بالفعاليات الأخرى التي تضم قطاعات الطلبة والعمال والشباب وانعدام وجود العروض التشجيعية التي تتبعها بلدان أخرى من تخفيض لأسعار المبيت في المنشآت أو تذاكر الطيران....الخ إضافة لافتقار القطاع السياحي إلى النوعية والكمية الكافية من المطبوعات والخرائط والبروشورات لتعريف العالم أكثر بالأماكن الأثرية والسياحية. وبالنسبة لنشاط مؤسسة الطيران في مجال الترويج لقطاع السياحة في سورية فإن الشركة تقوم بذلك بالتنسيق مع وزارة السياحة إضافة لتوطيد العلاقات مع مكاتب السفر و السياحة وإقامة ورشات عمل مشتركة باستمرار إضافة لدعم مجموعة من النشاطات الثقافية و الفنية و السفارات والمراكز الثقافية كما أن المؤسسة اشتركت في رعاية كتب توزع في أنحاء العالم في إطار حملات إعلامية عالية بهدف التعريف بحضارة المدن السورية وتضيف الآنسة فتون أن عدد مرتادي طائرات المؤسسة ازداد بشكل ملحوظ حيث بلغ في النصف الأول من العام ما يقرب 600 ألف راكب. وتعبتر الآنسة فتون أن الطريق لا يزال طويلا للوصول إلى سياحة مميزة قادرة على رفد الاقتصاد الوطني بشكل مؤثر وكل ذلك يحتاج إلى جهود متضافرة والبناء على أسس واستراتيجيات تأخذ بالاعتبار مختلف الظروف والحيثيات المحيطة للوصول إلى نتائج صحيحة. المنشآت السياحية لها سياستها الترويجية الخاصة بها فقد بنيت مديرة العلاقات العامة بفندق الفورسيزنز بدمشق الآنسة نغم عمران أن الترويج السياحي والإعلامي لا يزال يفتقد إلى كثير من مقومات النجاح الحقيقي فهو يفتقد للإعلام المواكب ونقص الكوادر المؤهلة سياحيا وافتقارها إلى الثقافة السياحية ولا سيما بالنسبة لما هو موجود في المنشآت السياحية إضافة إلى النقص الواضح في المطبوعات الكافية التي تعرف بالمواقع السياحية بالشكل الصحيح كالبروشورات والخرائط وهذا الأمر نلحظه كثيرا من خلال شكوى السياح الذين يرتادون الفندق. مكاتب السفر: نحتاج لمخاطبة أسواق جديدة السيد غسان شاهين مديرأحد أصحاب المكاتب السياحة والسفر بدأ حديثه عن واقع السياحة في القطر وبأنها ستكون مصدرة الثروة البديلة للنفط خلال الأعوام القادمة: غني عن القول :إن التوجه العام لدى الدولة هو الاعتماد على الاستثمار بكافة أبعاده الداخلية والخارجية. وقد استطاعت وزارة السياحة أن تحصل على زيادة ملحوظة في ميزانية الترويج السياحي حيث تم النظر إليها على أنها مساهمة في خطة الاستثمار, والوزارة بدأت من خلال ذلك بتنظيم برامج ترويجية على مستوى البلاد العربية والعالم متجاوزة الطريقة التقليدية, وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص في تقديم منتج سياحي سوري بطريقة أخرى من خلال المعارض والأسابيع السياحية وزيادة المشاركة في الفعاليات والتظاهرات السياحية واستقطاب عدد أكبر من المشاركين في المعارض من فعاليات القطاع الخاص وخفضت لأجل ذلك رسوم الاشتراك فيها.ويتابع السيد غسان أن هذه السياسة الترويجية هي من أهم مسؤوليات الوزارة حالياً وهذا لا يعفى فعاليات القطاع الخاص من مسؤولياتها في اعتماد سياسات ترويج خاصة بها تخاطب بها الأسواق في التعامل معها وتفعيل دور القطاع الخاص في سياسة الترويج التي تتبعها الوزارة كان له عظيم الأثر في إدخال فعاليات سياحية جديدة في السوق وتنوعه واستطاعت مخاطبة العقليات المختلفة في العالم إضافة إلى حسن تعامل انساننا السوري مع السياح وحسن استقباله وضيافته كل ذلك يساهم في زيادة الأسهم التي ترفع من قدر المنتج السياحي السوري وتجعله مؤهلاً ليكون رافدا ً قوياً من روافد الاقتصاد السوري فيما لو أحسنت الاستراتيجيات التي تخطط لتطويره ورفع مستوى الخدمات والبنى التحتية التي تخدمه. وتصاعد الخط البياني لأعداد السياح إلى سورية في الأعوام العشرة الماضية يثبت بصورة قاطعة غير أنه من المهم أن ننوه أننا إن استطعنا أن نستقطب أعداداً جديدة فلا بد أن نؤكد على أن مخاطبة أسواق جديدة كان له بالغ الأثر في تسليط الضوء على بقعة من الأرض حباها الله من مجده الشيء الكثير ولا تزال بحاجة للكثير كي تصل إلى ما تستحقه.بعد هذا العرض السريع لأراء ووجهات نظر جهات مختلفة ذات علاقة بالقطاع السياحي نرى أن الكل مجمع على أن ما هو موجود حاليا من سياسات ترويجية وإعلامية لا تزال دون الطموح الأمر الذي يحتاج إلى جهود متضافرة وتكامل مؤسساتي يضمن سير العملية بشكل أفضل ومن وجهة نظر متواضعة لا أعتقد أن ذلك سيثمر ما لم يترافق ذلك بتطوير للبنى التحتية والمرافق الخدمية بالتوازي مع باقي الجوانب الأخرى بشكل خاص فليس من المعقول والطبيعي فحسب أحد الأدلاء السياحيين أنه اضطر للعودة مع المجموعة السياحية التي كان يرافقها في مدينة تدمر مرات عديدة للفندق ليقضي السياح حاجتهم نظرا لعدم توافر المرافق الصحية في أعظم موقع اثري في سورية, فما بالكم بالمواقع الصغيرة والتي لا تحظى بالاهتمام نفسه.
|