فتم إعادة مسح مناطق المخالفات في العام 2002 وعند اعتماد هذا التعديل بقرار من مجلس مدينة طرطوس في العام 2004 قدم 552 اعتراضاً حيث تبين أن هناك 443 منزلاً مكتسحاً.
وعلى إثر ذلك قام مجلس مدينة طرطوس بتحديد وفصل مناطق المخالفات الجماعية عن مناطق التوسع وبناء عليه تم تصديق المخطط التنظيمي لتوسع المدينة في العام .2006 أما المخطط التنظيمي لمناطق المخالفات منها فقد درس من قبل مديرية التخطيط العمراني ومجلس مدينة طرطوس وتمت الموافقة عليه بتاريخ 12-2006 لكن مناطق المخالفات الجماعية بقيت على حالها.
وما نريد الحديث عنه في هذه المادة الصحفية ليس القصد منه تناول المخططات التنظيمية لمناطق المخالفات وإنما الواقع الإنساني في تلك المناطق والعواقب والنتائج السلبية التي ألمت بعائلات تلك المناطق.
كيف وعلى أي أمل يعيشون? وعن أي أجوبة يبحثون وما الواقع الخدمي في تلك الأحياء? إنهم مواطنون لا يواجههم إلا القانون رقم (1) لعام 2003 الذي ينص على فرض عقوبات مختلفة بحق من يقوم بالمخالفات والذي يبقى المتربص لأي بناء يقوم على الأرض. لكن- في الحقيقة- بعد فوات الأوان.. بحيث يصبح تطبيق القرار لإخراج الناس من غرف صغيرة وهدمها.. (وهو ما لا يرضاه أحد).
المنازل.. الغرف
توجهنا إلى تلك المناطق عدة مرات لنشهد عمليات الهدم وكيف يتم إخراج الناس من تلك الغرف التي لا تكاد تصلح للحياة البشرية ليتم هدمها, وهي عبارة عن حجارة ونوافذ وقد يكون سقفها من التوتياء.
لكن هذه المنازل قد تكون عدة غرف أو عدة طوابق. لأن العائلة التي بنت منزلها ما قبل القانون رقم (1) لعام 2003 أصبحت عائلات بزواج الأولاد وأصبحت الغرفتان تضمان ما يزيد عن العشرة أفراد.. وهكذا.
المواطنون.. القاطنون.. القانطون?!
هذه هي منازل ذوي الدخل المحدود والذين أكدوا لنا أن معظمهم يقترض من أقربائه ويدفع ما فوقه وما تحته ليبني هذه الغرفة التي تعتبر حلماً له. فهل نستطيع هنا أن نبرر وفاة رجل منذ سنة بجلطة قلبية بعد أن هدم منزله? وهل نستطيع أن نرد شكوى امرأة بسبب غرفة تعيش فيها منذ خمس عشرة سنة لكنها لا تستطيع بناء عمود واحد فيها ليقيها من الوقوع لأن (منزلها) غرفتها مكتسحة? وهل نستطيع أن نتذمر من صراخ رجل هدمت له غرفة بناها بالقرب من غرفته السابقة لأن بناته كبرن?
البلدية.. الخصم والحكم!!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف وصلت المنازل إلى هذه المرحلة من البناء حتى يتم تهديمها أصلاً?!
هذا السؤال طرحناه على كل الناس. والجواب واحد.. فساد استشرى في العملية من جهة والناس تريد أن تعيش من جهة ثانية.. هذا هو الجواب الوحيد الذي سمعناه مع العلم أن دوريات البلدية تحضر مرتين يومياً إلى تلك المناطق للمراقبة.
والنتيجة لا يمكن تصويب الخطأ على جهة واحدة أو طرف واحد من المشكلة أي على عملية البناء فقط وإنما الخطأ والظلم من البادىء حينما تترك البلدية الناس يبنون وتدفع الأموال ثم تقرر الهدم.
أي.. لا يمكن الحديث عن مشكلات مناطق المخالفات دون مس الفساد أو تجاهل وجوده والذي يحضر بوجود السماسرة في المنطقة وقد تكون أحد الأدلة هدم بعض المنازل دون الأخرى أو تغير في شكل المخطط التنظيمي (المناطق الخدمية) بين الحين والآخر من قبل بعض ملاك الأراضي هناك.
مخطط منتظر.. خدمات مؤجلة
إن كان واقع المنازل والناس واقع معنون بالشقاء والبؤس.. فهل سيكون واقع الخدمات أفضل? وشكاوى الناس أقل وقعاً? الجواب لا.. والسبب يبرر.. لأن مناطق المخالفات لا ترصد ضمن الموازنة أبداً.
فتحليل المياه يؤكد أنها ملوثة وغير صالحة للشرب مع العلم أن أنابيب المياه تعطلت عدة مرات بسبب التلوث ما يضطر الناس للشرب من الخزانات التي يتوقف استخدامها طوال الشتاء أصلاً بسبب تداخل مياه السيول معها فيتم تحويل الماء من السن أو من حي بيت اسماعيل أو الجديدة.. لكن لا أحد يعرف في مؤسسة المياه من أين تشرب هذه الأحياء -على حد قول البعض- أي المطلوب هو البحث عن مصدر ماء دائم وصحي صيفاً وشتاء.
وليست الكهرباء أفضل حالاً.. فالكهرباء في حال انقطاع مستمر في فصل الشتاء.. لأن هذه الأحياء موصولة بخط الحميدية الذي بالكاد يكفيها ما يقدم إليها من محطتي الكهرباء.
مع العلم أن هذه الأحياء أصبحت على مساحة كبيرة وتحتاج إلى المحطة الخاصة بها المتوقفة عن العمل بسبب اعتراض مالك الأرض. هذا عدا عن غياب إنارة الشوارع..!!
وتلك المناطق دون صرف صحي إلا ما أقيم بالعمل الشعبي حيث بقيت نهايات الصرف تملأ الشوارع التي لم تعرف الزفت أبداً كما هو حال حارة رأس الشغري, أما حي الرادار فتوزع التخديم بشكل عشوائي بحيث زفتت شوارع دون غيرها وملأ الصرف الصحي بعض الشوارع (شمال مستوصف الرادار). أما واقع الطرق فتجعلك تعتقد أنك في إحدى المناطق النائية.. لكنك في الواقع في أحد أطراف المدينة وعلى المدخل الجنوبي لها.. لكن ما شهدناه في الفترة الأخيرة هو رصف لبعض هذه الطرقات بطبقة من الكرواتين على اعتبار أنه تم رصد (16) مليون ليرة لتنفيذ أعمال تسوية وتعبيد وتزفيت في تلك الأحياء. لكن المطلوب أيضاً هو الإسراع في التنفيذ لأن الشتاء قادم والمطر سيزيل طبقة الكرواتين إن لم يوضع الإسفلت مباشرة.
لعل هذه الخطوة تؤدي لحل مشكلة ناتجة عن انعدام الطرقات بالأصل.. وهي مشكلة السرافيس التي لا تستطيع حتى الدخول إلى الأحياء فيضطر الناس للنزول على الطريق العام والاتجاه سيراً نحو الأحياء صيفاً أو شتاء.. لكن أن يضطر المريض في هذه الأحياء التي لا تبعد مئات الأمتار عن مشفى الباسل أن يستقل سيارة أجرة للاتجاه إليها لأن السرافيس لا تتجه نحو المشفى.. فهذا يدل على أن المشكلات صفة كل صغيرة وكبيرة في حياة مواطني تلك الأحياء. أما الصفة العامة لشوارع تلك الأحياء فهي توزع القمامة وانتشارها هنا وهناك. وعندما سألنا الناس عنها أكدوا لنا أن رسم النظافة يدفع بالكامل لكن على جرارين قديمين وعاملين فقط بينما لو ترك الرسم للحي فإنه سيستطيع تخديم نفسه بنفسه.
حارة الأموات
لم نكن نصدق أثناء قيامنا بالجولة أن من الممكن أن يكون ولو على سبيل التخيل الواقع أشد بؤساً مما شاهدناه.. لكن المواطنين فاجؤونا بأن هناك ما هو أسوأ.. ولكن أين? إنها حارة الأموات.. فقمنا بالتوجه إلى هناك. ورشة الهدم تركت هناك بصماتها.. سقوف متداعية وجدران متصدعة, غرف متوزعة هنا وهناك.. لاصرف صحي لا كهرباء وبالتالي لا مياه شرب ولا حتى أي شيء.. أقدام المشاة رسمت على التراب ما يشبه الدروب, لا أحد يعرف بالضبط عدد الساكنين في هذا الحي لكنهم وكما عرفنا كثر.. عائلات من مناطق شتى شكلت ما يشبه حياً بعيداً عن الجميع وفي غفلة منا جميعاً.
هل هكذا نكافئ المواطن?!
أثناء إعداد هذا التحقيق راجع مكتب الجريدة المواطن (س) وهو مالك لقطعة أرض صغيرة في حي الرادار.. سيرتفع ثمنها مع صدور المخطط التنظيمي. هذا المواطن الذي رفض عروضاً كثيرة من متعهدين وسواهم لإشادة بناء هناك قبل صدور القانون رقم (1) الخاص بالمخالفات وبعده. الآن وبقدرة قادر تحولت أرضه في المخطط التنظيمي المقترح إلى (مرآب).
وعود انتخابية
مناطق المخالفات هذه وأثناء انتخابات الإدارة المحلية شهدت زيارات للمرشحين كما أكد المواطنون هناك وهذه الزيارات شهدت وعوداً غرائبية.. من ضمنها أنهم سيساعدونهم في إشادة الأبنية. والدليل على ذلك.. حجم المخالفات التي ظهرت مع هذا المجلس أي منذ حوالى ثلاثة أشهر في حين بقيت تلك المنطقة ملتزمة -إلى حد ما- بتطبيق القانون رقم (1) لعام 2003 طيلة الفترة الماضية.. بحسب أقوال المواطنين طبعاً.
كنا نتمنى على هؤلاء أن تكون وعودهم بخصوص الإسراع بالمخطط التنظيمي لا السماح للمواطنين بالمخالفة.
أسئلة افتراضية تحتاج إلى أجوبة جدية جدا
الكثير من المواطنين الذين كانوا يتجمعون حولنا أثناء زياراتنا المتكررة للمنطقة كانوا يتساءلون وبصوت مرتفع.. وطالبونا بنقل أسئلتهم لمن يهمهم الأمر.. وهذه الأسئلة هي: -من المسؤول عن تأخر المخطط التنظيمي?
-كيف يتم التلاعب بالمخطط ولمصلحة من?
-ما دور السماسرة وتجار العقارات وأسعارها الخيالية في المدينة في تأخر المخطط? -لماذا كثرت المخالفات في هذه الفترة بالذات أي خلال الشهرين الماضيين? -ما مصير أهالي المنازل المكتسحة?