وعلى القيادة الرسمية الروسية بمكوناتها:(رئاسة, حكومة, برلمان) وتوجهاتها الحالية والمستقبلية من جهة أخرى. هذا في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لانتخابات رئاسية في آذار القادم, وتبعات ذلك كله على روسيا ودورها العالمي أيضاً. فالنتائج لم تأت بعيداً عن تقديرات المختصين حول نسبة المشاركة في الانتخابات (نحو 60 بالمئة) ولوحة مجلس الدوما (البرلمان), العامة, بل يمكننا القول إن (المفاجآت) تلخصت في نسبة الحصص التي نالتها هذه الكتل البرلمانية, والتي تمثلت بسيطرة لحزب روسيا الموحدة الذي قاد لائحته الانتخابية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحصوله على نسبة 64 بالمئة (أغلبية مطلقة وكبيرة) وتراجع الحزب الشيوعي بزعامة غيناوي زيوغانوف ب 4 نقاط ونيله 11,6 بالمئة من أصوات الناخبين.
هذا في الوقت الذي حل فيه الحزب الليبرالي الديمقراطي بزعامة فلاديمير جيرنوفسكي (حزب قومي) ثالثاً بحصوله على 8,2 بالمئة. نال الموقع الثالث في الانتخابات البرلمانية السابقة أيضاً.وحصول حزب روسيا العادلة بزعامة سيرجي ميرفون رئيس المجلس الاتحادي على 7,8 بالمئة أما القوى والرموز التي غادرت صفوف البرلمان لعدم تخطيها نسبة الحسم البرلماني المحددة ب 7 بالمئة, فإن أبرزها حزب التفاحة اليميني (يابلكا) بزعامة غريغوري يافلينسكي.
ولهذه النتائج أسباب كثيرة, منها:
> انعكاسات تزعم بوتين لائحة حزب روسيا الموحدة (حزب السلطة), وتالياً زيادة حصته البرلمانية نظراً لطبيعة السياسة الداخلية والخارجية الوطنية الروسية التي انتهجها, والتي تتلاءم ومصالح قطاعات واسعة من الشعب الروسي, وتعزز أيضاً موقع روسيا الدولي وتمهد لاستعادة تحالفاتها السابقة, في حدود ليست قليلة.
> عدم قدرة قيادة الحزب الشيوعي الروسي على حل الصعوبات الحزبية الداخلية والجماهيرية التي يواجهها الحزب (أشار زيوغانوف إلى بعض في التقييم الأولي لنتائج الانتخابات) من جهة وقناعة قطاع غير قليل من جمهور الحزب الانتخابي بنجاح قائمة بوتين وتالياً إما التصويت لها, أو الامتناع عن المشاركة الانتخابية المعروفة النتائج.
> أما خروج حزب التفاحة, وما يمثله من اتجاه يميني, فإن لذلك تداعياته المستقبلية المباشرة على هذا الاتجاه وسياساته, والبرنامج الذي يمثله وعلى هذا الحزب تحديداً. هذا في الوقت الذي تؤكد فيه حصول القوميين الروس على المرتبة الثالثة عدم قدرتهم على تقديم برنامج بديل منافس للسياسة الوطنية للرئيس بوتين وحزبه, وعجزهم في الوقت نفسه عن (التماشي) أو التناغم مع برنامج الشيوعيين واليسار الروسي عموماً.
هذه العوامل, وغيرها لا يمكن ملامستها بعيداً عن مسائل هامة شهدتها, ولا تزال روسيا بدءاً من استعادة الاقتصاد الروسي لعافيته, وانعكاساته المباشرة على النمو الاقتصادي السنوي الذي تشهده روسيا منذ سنوات غير قليلة, إلى الاستقرار الأمني الوطني والفردي الذي تعيشه البلاد, مروراً بكيفية التعاطي الحكومي الجدي مع عدد هام من رموز المافيا والخصخصة الوحشية التي عانت منها روسيا, وجاءت على حساب الفئات والطبقات غير الميسورة, وعلى مصالح البلاد بأسرها طوال فترة ما قبل مرحلة بوتين. ولا تغفل هنا أيضاً طبيعة القيادة الروسية الحالية وانتهاجها سياسة جوهرها العمل على تحقيق المصالح الوطنية الروسية أولاً, وفي المجالات كافة, وتبعات ذلك على السياسة الخارجية الروسية في سياق استعادة التحالفات الدولية السابقة, أو تعزيز ما هو قائم منها, إلى بناء علاقات جديدة مع دول وروابط وتكتلات اقتصادية عديدة بغض النظر على طبيعة توجهها الاقتصادي الاجتماعي.
وبسبب من هذه التفاعلات الروسية الداخلية, والمتغيرات الجارية في توجهاتها الوطنية وسياستها الخارجية, كان متوقعاً, لابل مفهوماً في الوقت نفسه, أن تتقدم لائحة بوتين غيرها من اللوائح الانتخابية, وأن تحتل موقعاً مميزاً في البرلمان.
أما المواقف الدولية من نتائج الانتخابات فينظر إليها من زاويتين الأولى وتتمثل في اعترافها بديمقراطيتها وعدم تجاوزها, أو انتهاكها للمعايير الأوروبية و الدولية, والثانية وتتلخص في عدم ارتياح بعضها من هذه النتائج وخاصة سيطرة حزب روسيا الموحدة على البرلمان, رغم التباين الواضح في مواقف العديد من هذه الدول, وارتباطه الواضح بكيفية تعاطي هذه الدول مع روسيا وبضمنها حجم المصالح المشتركة, أو التباين وصولاً إلى الخلاف معها.
باحث في الشؤون الدولية