كي تترجم بدورها حلمها وحبها لدور لا تنفك تعلن عنه في لقاءاتها, دور يمثل صرخة مدوية في العالم العربي كي يتحد بحب وتآلف يؤهله ليصبح أقوى دولة في العالم أما آخر محطاتها فكانت في مهرجان دمشق السينمائي, التقينا الفنانة سميحة أيوب فتحدثت عن تجاربها, حياتها ورحلة عمرها إلى جانب زوجها الكاتب الكبير سعد الدين وهبة فقالت:
عشت في بيئة أسرية متوسطة الحال دخلت عالم التمثيل خلافاً لطموحاتي وحلمي منذ الطفولة بأن أصبح راقصة باليه, لكن سماعي بإعلان معهد الفنون المسرحية عن حاجته لشابات والمقابل مكافأة مادية للناجحة في المسابقة ذلك جعلني أفكر بالأمر طويلاً وأبني أحلاماً على تلك المكافأة, ذهبت دون علم الأهل كي أتعرف على أجواء المسابقة برفقة إحدى الصديقات التي أرادت الالتحاق بالمعهد ولم يكن وقتها في نيتي دخول الامتحان إلى أن سألني أحد أعضاء اللجنة حول رغبتي بذلك فأعلنتها ثم قبلوا بي, بعد امتحاني رفض الأهل بشكل قاطع هذه الخطوة وحصلت في البيت مشكلات أسرية كثيرة بسببي وفي النهاية حسم الأمر لمصلحتي نتيجة وقوف خالي إلى جانبي مضافاً إلى إصراري على موقفي, ودخلت المعهد الذي انطلق منه طوابير من الفنانين الكبار وأعلام الحركة المسرحية في مصر, تعلمت فن المسرح على يد عبقري المسرح الفنان زكي طليمات الذي شجعني واهتم بي متنبئاً لي بالنجومية, تحولت حياتي بشكل كبير وأخذ الفن كل حياتي واهتماماتي ولم انقطع عنه أبداً في فترة نهضته الحقيقية وكبوته أيضاً, فوصل عدد أعمالي فيه إلى مئة وسبعين عملاً وقد أصبح المسرح حياتي ومتعتي خصوصاً أن خشبته كالحياة تستوعب عوالمها قضايا السياسة كما الاقتصاد والثقافة والمجتمع وكل شيء, فالمسرح عمل ثقافي بحت, ينضج الإنسان ويمنحه الأبعاد الراقية لحياته, أما تجاربي فلم تقتصر على المسرح, ومثلت للإذاعة سبعين عملاً إذاعياً وشاركت في السينما بأربعين فيلماً بدؤوا ب (المتشردة) وانتهوا بفيلم (فجر الإسلام) لكن على الدوام كنت أشعر بالغربة أثناء تواجدي فيها وكان سهلاً علي الابتعاد عنها تزامناً مع طغيان أفلام المقاولات.
أما في التلفزيون فقد شاركت بأعمال كثيرة أحببتها وأقربها إلى نفسي الأعمال التاريخية والدينية وينبع ذلك من عشقي للغة العربية لكونها جزءاً من الهوية الغالية لعبت جميع الأدوار, الأمومة والرومانسية, الشريرة, أدوار المرأة القوية الشخصية والمحبطة طبعاً تلك التي تنهض من انكسارها ولا تستسلم لأنني على الصعيد الحياتي ضد المرأة التي تنتظر القهر دون شكوى فأنا ضد هذه النماذج المقولبة للمرأة وأرفضها خصوصاً أنها على أرض الواقع حققت الكثير بفضل كفاءتها رغم الثقافة الذكورية المهيمنة ورغم الأعباء الكثيرة داخل المنزل وخارجه كامرأة وفنانة وإنسانة أجد الصعوبات التي واجهتها في حياتي صعوبات واردة ومحتملة في حياة كل إنسان وقد تكون لي فلسفتي الخاصة في هذا السياق والتي لم تأت من فراغ بل هي حصيلة تجارب حياتية ومهنية عميقة, فالإنسان بدون معاناة ربما ليس إنساناً فحياته مجموعة من تجارب النجاح والإحباط, الفشل والفرح والحزن وتلك الأحاسيس المجتمعة والمتناقضة في آن كلها قد تخلق الإنسان الناجح.
بعد زواجي من الكاتب سعد الدين وهبة أصبحت البطلة في معظم مسرحياته من ( السبنسة) إلى (كوبري الناموس) (المسامير) (سكة السلامة) وغيرها إلى جانب قيامي ببطولة عروض لم يكن سعد الدين وهبة مؤلفاً فيها كما في (السلطان الحائر) لتوفيق الحكيم (الناس اللي في التالت) لأسامة أنور عكاشة وغيرها..
وبالنسبة لزواجنا أنا وسعد الدين وهبة لم تتأثر العلاقة الزوجية بمهنتي ولا بمناصبه من رئيس اتحاد الكتاب المصريين إلى نقيب السينمائيين, عضو مجلس شعب, رئيس اتحاد الفنانين العرب ورئيس مهرجان القاهرة السينمائي وبقي على الدوام الإنسان الحنون والرائع في منزله وكنا نتعامل كأي أسرة عادية, نغلق باب شقتنا وراء العمل وهمومه أما خارج المنزل فكان لكل منا شخصيته وخصوصيته رغم موقفنا السياسي والثقافي والفكري الواحد, وأذكر في هذا السياق أنه كان لسعد الدين مواقفه العظيمة فهو معروف بانتمائه القومي وتوجهه الوطني وموقفه الرافض لكل أشكال التطبيع الثقافي أو الفني مع إسرائيل وكان يقظاً لأي محاولة من شأنها أن تسير في هذا الاتجاه ولا يخفى على أحد المحاولات الكثيرة والضغوطات التي مورست عليه أثناء ترؤسه لمهرجان القاهرة السينمائي وكان لديه الاستعداد للتنازل عن أي منصب مقابل ألا يتخلى عن مواقفه الوطنية, وعندما رحل عن دنيانا ترك الفراغ الكبير في أسرته ومحيطه.
أعتبر مشاركتي في الأعمال الجيدة بمثابة المهمة الوطنية كونها تحقق هدف الفن الحقيقي في مهمته التنويرية, وطوال مسيرتي الفنية لم أقم إلا بالأدوار التي ترتبط بالهم الاجتماعي أو الثقافي أو القومي حتى إنني رفضت الإخراج بعد تجربتي الأولى فيه عبر »مقالب عطيات) بعد سفر مخرجها إذ نجح العرض بشكل كبير ما دفع الكثيرين إلى عرض نصوصهم علي لكنني لم أكرر التجربة إلا في عرض »تمر..حنا) للكاتبة »فتحية العسال) نتيجة إعجابي الشديد بنصها الذي ينبض بالنضال كل من موقعه مظهراً إمكانية كل فرد القيام بواجبه تجاه أمته ووطنه.
رغم أن المناصب التي توليتها سببت لي القلق والابتعاد نسبياً عن العمل الفني إلا أنني لم أدع فترة إدارتي تمر مرور الكرام بل تركت البصمة الخاصة خلال خمسة أعوام كمديرة للمسرح الحديث وأربعة عشر عاماً مديرة للمسرح القومي, حاولت خلالها تجاوز الروتين الإداري وحاربت من أجل تقديم الخيارات الفنية الجيدة والانتقاء لنصوص مهمة وقد شهد المسرح القومي فترتها عروضاً ناجحة بحق والجميع يشهد بهذا الأمر.