|
شهيرة فلوح :أمومتي ترجمتها عملاً .. والله أعطاني 750 بنتاً تجارب شخصية انتخبت لمجلس الشعب وفيما بعد اختارها القائد الخالد لتكون مشرفة على مدرسة بنات الشهداء منذ عام 1981 وكانت لهن الأم الحنون, إنها السيدة شهيرة فلوح التي لم ترزق بأطفال ولطالما تمنت أن يكون لها فتاة ولكن الله تعالى أعطاها 750 فتاة لتعيش معهن بأفراحهن وأحزانهن ولتكون عند تخرجهن الأم التي انتظرت تلك اللحظات السعيدة طويلا..وعن حياتها وتجربتها تقول: في عمان ولدت في قرية بصير في محافظة درعا ثم انتقلت مع أسرتي إلى الأردن التي قضيت فيها طفولتي ودراستي, درست في مدرسة راهبات الناصرة بعمان وبقيت فيها حتى تخرجت منها وأخذت الثانوية ثم درست فيها مدة ست سنوات وأثناء ذلك قمت بدراسة فرع المحاسبة والتجارة لمدة سنتين وعلمت بالجامعة الأردنية لمدة خمس سنين ثم تزوجت وعدت إلى بلدي الأم وبقي بعض الأهل بعمان والقسم الآخر في سورية. في وطني الأم في مدينة اللاذقية انتسبت إلى الاتحاد النسائي حيث كانت بداياته وهناك أثبت وجودي في عملي وآمنت بعمل المنظمة وقمت بتدريس دورات محو الأمية وعملت دورة بالاختزال والآلة الكاتبة, وقمت بدورات لفتيات المحافظة لمدة سنتين وكنت أعتز بعملي هذا لأني كنت مؤمنة منذ صغري بأن المرأة هي النصف المهم في المجتمع وإذا لم تعمل المرأة سوف يشل نصف المجتمع. وبحكم انتقال زوجي إلى درعا تم نقلي إليها وتابعت بنفس العمل في الاتحاد النسائي وعن طريق الانتخاب فزت بوحدة الاتحاد ثم بالرابطة, وعملت بعد ذلك رئيسة مكتب إداري للمحافظة لمدة أربع سنوات وكانت مرحلة مهمة بالنسبة لي وللمنظمة وبفضل تعاون جميع الزميلات وقيادة الفرع قمنا بتأسيس الوحدات النسائىة في معظم قرى المحافظة, وافتتحنا الكثير من دورات محو الأمية والأشغال اليدوية, ولعب الرجال الأزواج دورا مهما في تلك الفترة بفضل الدعم الكبير لزوجاتهم وبسبب قناعتهم بعملنا وشعورهم بأننا نقوم بعمل مهم بالنسبة للمرأة وكان لهم دور كبير في نجاح المكتب الإداري ولا سيما عندما كنا نقوم بجولات في القرى لتأسيس الوحدات النسائىة في محافظة درعا. انتخابي لمجلس الشعب رشحت لمجلس الشعب وبدأت عملي فيه وكان عدد الزميلات في المجلس ست نساء حاولنا من خلاله رفع أصواتنا بأن المرأة يجب أن تأخذ دورها في كل المجالات. فعملت ضمن الإمكانيات المتاحة وكان لا بد من بذل الجهد لنقل صوت الشعب ومشكلاته,و كنت أقول لنفسي إنه علينا رفع صوتنا عاليا بأن تأخذ المرأة دورها الحقيقي لكي تستطيع أن تنهض إلى جانب الرجل لبناء مجتمع متكامل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية, وفي كل مناحي الحياة, وهذا ما أكد عليه القائد الخالد وله الباع الكبير في دعم قضية المرأة. وكصعوبات في تلك المرحلة كان من الصعب على المرأة أن تنتخب في المحافظة ولكني لم أشعر بها بشكل شخصي وقد فرضنا أنفسنا بالعمل الجاد والسلوك السليم. المنعطف الأهم في حياتي كان عندما كلفني القائد حافظ الأسد باستلام مدارس بنات الشهداء وكان ذلك بعد انتهاء عملي في مجلس الشعب 26/11/1981 وكانت مسؤولية إنسانية وطنية, شعرت بالمسؤولية والثقة الكبيرة التي أعطاني إياها ولأنه قدس الشهادة أراد من خلال هذه المدارس الحضارية النموذجية أن يكرم الشهداء بالاهتمام الكبير والأبوي بأبنائهم وعملت مع أسرة المدرسة مربين وإداريين ومدرسين لتأمين حياة كريمة لبنات الشهداء, وبذلنا قصارى جهدنا, وأشعر بأن كل بنت خرجت من المدرسة أنها ابنتي, وقد خرجنا أجيالا من الفتيات ومنهن الطبيبات ومعلمات وربات بيوت.. وعندي أحفاد, وكم كنت سعيدة عندما زرت سيدة كانت طالبة عندي بالمدرسة وتعمل في جامعة تشرين تحتفل بتخرج ابنها الأكبر من كلية الطب وكان ذلك بجهده وبدون مساعدة أحد, بل بتعاونها هي وزوجها ومساندته لها, وفي هذه اللحظات لا أقدر وصف فرحتي ودموع الفرح تغمرني وكأنه حفيدي وأفتخر بأن المدرسة خرجت أجيالاً مميزة وكل هذا يرجع للقائد الخالد وزوجته السيدة الأولى (أم السيد الرئيس بشار الأسد) والتي كانت وما زالت ترعى سنويا احتفالا بمناسبة عيد الشهداء وتجتمع بطالبات المدرسة وتقدم لهن كل الدعم والمساندة. أمومتي ترجمتها عملا ليس لدي أطفال, وكنت أتمنى أن يكون عندي بنت ولكن الله تعالى أعطاني 750 بنتا, شعرت معهن بسعادة بالغة وأمومتي ترجمتها معهن بالعمل والحب وزوجي كان مساعدا كبيرا لي يراعي طبيعة وخصوصية عملي ولا سيما عندما كنت أضطر للمبيت مع الفتيات في المدرسة, وكان يقول لي: أن آباء وتلك الفتيات ضحيوا من أجل الوطن كي يبقى حرا شامخا.. ولهذا أقدر له هذا الموقف الكبير ولأنه ضحى معي للقيام بهذه المهمة الإنسانية. - أما في المدرسة, فكنت اجتمع مع الفتيات بعد نهاية الدوام بصفتي أما لهن وأجلس مع كل طالبة على حده وبشكل غير رسمي بجو يسوده الجو الأسري لتشعر الفتاة بالحرية وكأنها في بيتها ولتستطيع أن تسر لي بمشكلتها وأساعدها بالنصح وكانت توجد صعوبات بذلك, لأنه من الصعب على الفتاة للوهلة الأولى ولكن بمرور الوقت ذللت كل العقبات, وكل المشكلات الخارجة عن نطاق المدرسة, كانت تحل في لقاء مع السيد الرئيس ولا توجد مشكلة لم تحل لأبناء الشهداء. لحظات لا تنسى لا أنسى اللحظات الأولى والمهمة في حياتي عندما استقبلني القائد الخالد في مكتبه وكنت مرتبكة جدا فبادرني بصوته الهادىء( ما هذه السمعة العطرة!!) فشعرت بالارتياح وقلت له: هذا الكلام وسام أضعه على صدري, فهذه الثقة كبيرة جدا عندما اختار اسمي من ضمن 60 اسما, وهذه الثقة جعلتني أعمل ليلا ونهارا وبتعاون جميع أفراد المدرسة لأن الإنسان لا ينجح بمفرده ولا سيما في مدرسة كهذه, أعدادها كانت 750 طالبة من جميع المراحل و150 طفلاً فاقداً لأبيه وأمه معا في سن مبكرة, وبحاجة لنوعية خاصة من التعامل, إضافة إلى أن بعض الفتيات كن يعشن بعض المشكلات العائلية بين بيت الجد (للأب) والأم, والتي انعكست على نفسية الطالبات وهذا جعلني أؤسس فرع توجيه الإرشاد النفسي وكانت أول مدرسة تطبق هذا النهج واستقبلت الأهالي من كل الأطراف, وحاولت جمع الطرفين وتسوية الخلافات القائمة بين بيت الجد والأم لمصلحة الفتاة لأن تلك الخلافات كانت مصدر قلق بالنسبة لي. مواقف أحزنتني في البدايات كنت لا أقدر على السيطرة على نفسي وعواطفي عند دخول الأطفال الصغار إلى الحضانة وهم يبكون ويطلبون مني أن أجلب لهم أباهم أو أمهم, فكان ينتابني حزن عميق بداخلي وأتأثر بوضعهم وأبكي لبكائهم ولا سيما عندما أكون عاجزة عن تحقيق ما يرغبونه ما انعكس على صحتي.. ولكن بفضل دعم السيد الرئيس وقوله لي بأن (الشهداء لا يموتون) استطعت تجاوز تلك المرحلة وعملت قصارى جهدي لأعوض لهم ولو جزء بسيط مما يفتقدونه. ولكن الصاعقة كانت عندما توفي الأب الكبير, فكانت خسارتنا أكبر ولحظات حزن لا يمكن وصفها انتابت الفتيات وانتابتني, وتذكرت حينها قوله لي: (لا تجعلي الحزن يدخل إلى داخلك وتنقليه للبنات) فحاولت مواساتهن, ولا أنكر أننا بكينا معا, لكن حزنهن كان حزن الفتاة على والدها. وأشد ما أحزنني عندما قالوا لي: إنهن فقدن آباءهن أول مرة والآن فقدن الأب الكبير) فطلبت منهن أن يترجمن حبهن له بالتفوق في دراستهن لأنه كان يكره أن يراهن حزينات ولا يحب رؤية الدمع بأعينهن, والحمد لله تحقق ذلك وهن الآن في قلب السيد الرئيس بشار الأسد. ونصيحتي لهن دائماً بأن يتحلين بالأخلاق والعلم وهو السلاح الوحيد وأساس حياتنا.
|