بدأ نقشو حديثه بتعريف لكلا المصلحين بأنّهما عالَمان مختلفان، عالَم البحث عن الآثار والروابط والتكرار, وعالَم المخيّلة الجامحة.. عالَم التجربة الموضوعيّة، وعالَم التخليق الذاتيّ.. عالَم وضع الأطر والمحدِّدات, وعالَم الخروج منها. لكنّ النقائض تتوحّد في ضرورة وجود واحدها ليوجد الآخر.
ثمّ تابع حديثه بأنّ المقاربتين العلميّة والأدبيّة محاولتان لفهم العالم, وسبر أغواره من زوايا مختلفة, قد يظنّ المراقب أنّها تفترق في الجوهر، لكنّ الجوهر مخاتل ومتعدّد دائماً، كما الطبيعة دائمة التحرّك, دائبة التغيّر.
وكلاهما ينبنيان على سلسلةٍ من الملاحظات تنتج نسقاً, فرؤيةً, يُخضعها العلم إلى التجربة, فتصير نظريّة، فقاعدة ؛ ويحوّلها الأدب إلى شكلٍ من الإحالات والإشارات والإسقاطات المفتوحة في حالتَي القصّة والشعر, وإلى بحثٍ في العلاقات والمآلات في حالة الرواية. فأساس العمل إذًن مشترك في الملاحظة, تتلوها الرؤية.
بينما عرج الشاعر للحديث عن حدوث قفزات علميّة هائلة تحقّقت في زمن قصير نسبيّاً، وصلنا فيها إلى أعماق ذرّيّة، وأبعاد كونيّة هائلة، وإلى علاقات أغرب من الخيال بين مكوّنات ماديّة. ما استدعى العوالم الأدبيّة للمجاز والكناية والاستعارة من (نسبيّة) (آينشتاين) وانبعاجات زمانه ومكانه، مروراً بـالأوتار الفائقة والأغشية, والأبعاد الأحد عشر المنطوية بعضها على بعض، والطبيعةِ المزدوجة للأشياء، والأصل المشترك للحياة، وصولاً إلى التواريخ المتعدّدة للحدث الواحد، واللاحتميّة، والأكوان المتعدّدة، والعالم السورياليّ لفيزياء الكمّ.
وبيّن الشاعر أنه ليس غريباً إذًن أن يلجأ العلماء إلى التعبير عن مقولاتهم بالرسم والصور الشعريّة, مثلما هو ضروريّ للأديب الجادّ الإطّلاع على العلوم لتشكيل عوالمه المتخيّلة وتفجيرها أيضاً.
وتابع: إذا كانت المادّة الأوليّة للعلم والأدب مشتركة، فإنّ (القصديّة) المتضمّنة في مقاربة هذه المادّة, والنتيجة التي يراد الوصول إليها, كثيراً ما تكونان مشتركتين أيضاً ؛ فثمّة أدب مهجوس بـ (خلق العوالم) الأخرى, البديلةِ أو الموازية.. أمّا العلم فينهمك أكثره بمحاولة التحكّم بالظواهر الطبيعيّة وتغييرها, وصولاً إلى إنتاج واقع آخر. وأقرب مثال على ذلك هو الأبحاث الجينيّة على النباتات والحيوانات لزيادة محاصيلها وتخفيض كلف إنتاجها, وأيضاً على الإنسان لتخليصه من الأمراض، والتخلّص من بعض الصفات، وصناعة إنسان جديد.
فيما رأى نقشو بأن الخيال وحده جعلنا نعيش والى أجل مسمّى في محاولة السيطرة على العالم, بكل ما يتضمّنه من كائنات تبدو متفوّقة في أمر ما, وكذلك عناصر الفضاء الغامضة. مشيراً إلى تاريخ وتطوّر فطر الكائن البشريّ على الخيال منذ أن حفر تلك الرسومات الموجودة في الكهوف الأولى للإنسان البدائيّ - في استراليا وأسبانيا وزامبيا وغيرها - قبل الثقافة الشفهيّة, وتبادل المعارف, تعامل الإنسان الفرد مع خياله. ثمّ كانت الأساطير التي أبدعها من اللاشيء، من عناصر الطبيعة من حوله، ثم شكّلها خياله.. تلك الأساطير السابقة على اللغة الكتابيّة. وظلّ الخيال مرافقا للمسيرة الإنسانيّة ومنجزاتها, من واقع الطبيعة والكهف، حتى واقع المنجز الالكترونيّ (الكمبيوتر) والعالم الافتراضيّ اليوم.