ويصعد بالمشهد حتى ظهر إلى جانب النصرة (كتفاً لكتف) لدرجة أن الإرهابي أبو محمد الجولاني خرج ليعلن عمليات ارهابية انتحارية على الجبهة في حلب تخفيفاً لمصيبة (السلطان) في إدلب.
ورغم كل المعدات والأرتال العسكرية التركية التي وصلت إلى أرض المعركة في الشمال لم ينقلب الميدان لصالح أردوغان ولا حتى شبراً واحداً وهذا له دلالات واضحة بأن دمشق اتخذت قراراً عسكرياً في المضي لاستعادة إدلب دون أن تخرق الاتفاقات السياسية ودون أن تحابيها أيضاً، فدائماً كان وقف إطلاق النار المتفق عليه يعرقل العمليات العسكرية خاصة عندما تصل في نجاحها لصالح الجيش العربي السوري إلى ذروة لا تتحملها الدول المتورطة في الميدان السوري فتقفز إلى الطاولات السياسية -أي هذه الدول - لامتصاص خسارات أرهابييها..
أما اليوم وفي الشمال وتحديداً مع تقدم الجيش العربي السوري في إدلب وريفها نترقب التخبط التركي والتصريحات الأردوغانية المضحكة، ولكن في الوقت نفسه يبدو الصمت الأميركي تجاه ما يجري ورغم كل الاستغاثات التركية خبيثاً، فواشنطن التي اختارت البقاء في سورية بضغط البنتاغون على ترامب بعد ثلاث محاولات لخروجه لن تقف مكتوفة الأيدي، وبنفس الوقت لن تورط أصابعها أكثر خاصة أن ترامب مقبل على انتخابات ولن يجازف بجنوده المحاصرين بفزعهم في العراق وسورية، خاصة بعد إقدامه على حماقة اغتيال الجنرال سليماني، وبالتالي أي تحرك له في سورية سيكون بالوكالة حصراً كما هي الاستراتيجية الأميركية منذ أكثر من عشر سنوات.
وعلى اعتبار أن أردوغان مشغول بخيباته في ريف إدلب بعد التقدم الكبير للجيش العربي السوري في تلك المنطقة والذي وصل سراقب، هذا يعني أن (الأكراد) هم الورقة التي سيلعب بها ترامب في هذه المرحلة ليخفف عن أردوغان من جهة وليحصن وجوده من جهة أخرى.
لا شك أن تحركات الولايات المتحدة الأميركية في الجزيرة السورية والتحرش بالقوات الروسية وتكثيف استحضار المعدات العسكرية يعكس استعراض القوة المعتاد والذي اشتهرت به واشنطن خاصة في سورية، لكنه يشي أيضاً ببعض الترتيبات الأميركية والتي بدأت تتحدث عنها وسائل الإعلام الغربية..
فبعد أن غابت عن المشهد فكرة تشكيل (قوة عربية) بدعم أميركي وتمويل خليجي لتحل مكان القوات الأميركية تعود اليوم هذه النية إلى سطح الحدث في سورية وإلى سطور التقارير الاستخباراتية التي تتحدث عن محاولة ترامب الدفع بالنظام السعودي لتمويل (قوة عربية) مهمتها الأولى على ما يبدو قلب طاولة الحل السياسي، وإدخال ورقة جديدة لواشنطن إلى الميدان السوري.. فاللعب الأميركي بين الورقة الكردية والتركية يبدو أنه لم يعد يجدي طالما أن نصف هاتين الورقتين قابل للتفاوض مع دمشق وموسكو وهذا ما أعلنته فصائل كردية وما لوحت به أنقرة..
المعلومات عما يسمى (القوة العربية) ليست كثيفة في الوقت الحالي، ولا تحاول واشنطن الإجهار بها ريثما تنضج ورقتها هذه، ولكن التقارير تشير إلى أن اجتماعاً بين أطراف سعودية وأميركية حصل في الحسكة، وتعهدت هذه الأطراف بأن يقوم النظام السعودي بتمويل وتدريب ما يعرف بمليشيا (الصناديد)، إضافة إلى دعم وتدريب ما يسمى قوات (النخبة) التابعة لـ (تيار الغد) الذي يرأسه المدعو أحمد الجربا الرئيس السابق لما يسمى (الائتلاف المعارض) والذي أظهر سابقاً استعداداً بالانخراط بالعملية السياسية ما يشي فعلاً بأن واشنطن ترغب بقلب الطاولات السياسية حتى لهذه الشخصيات التي لا وزن (معارض) لها في المؤتمرات الدولية حول سورية.
اللافت أيضاً أن واشنطن تقوم بتكرار تجربة الشركات الأمنية التي تستحضرها اليوم إلى مناطق احتلالها لتقوم بتدريب الإرهابيين والمتطرفين وما تسميه (قوة عربية) كما أعلنت عن استئناف عمليات (التحالف الدولي) الذي توقف سابقاً بشكل مؤقت، واليوم تخرج التصريحات من صحيفة الواشنطن بوست لتؤكد استئنافه وبقاءه وبقاء واشنطن لأجل غير مسمى في سورية، ما يشكل مفارقة حقيقية بعد عزم ترامب الرحيل، فهل كان الأخير يكذب أم أن للبنتاغون خططاً بديلة؟.
بعد التصريحات الثلاثة لترامب بأنه يريد الانسحاب من سورية، يعود اليوم لتعزيز الاحتلال الأميركي بشكل أو بآخر، فلم يعد سراً أن واشنطن تزيد من نقاط تواجدها الاحتلالي وتحاول التكاثر بقواعدها (العسكرية).
الولايات المتحدة الأمريكية تعمل منذ تشرين الماضي على تعزيز وجودها غير الشرعي وإرسال تعزيزات لوجستية ومعدات عسكرية، كما قامت بإنشاء نقاط تمركز جديدة لها في العمق، بعيداً عن آبار النفط التي شكّلت الذريعة المعلنة لبقاء هذه القوات.
من الواضح أن ذريغة واشنطن بمحاربة داعش في سورية لم تعد تغطي أهدافها الأساسية، فواشنطن كما قلنا سابقاً تسعى لإطالة أمد الأزمة في الشمال السوري وامتلاك مزيد من أوراق الضغط في الميدان لأخد الأثمان من الطاولات السياسية.. فالساحة في الشمال هي مواجهة علنية ببن قطبيين عالميين روسيا وأميركا، وإذا انبزغ القطب الروسي من رحم الانتصار السوري فالخروح الأميركي المنهزم من سورية قد يحطم جزءاً آخر من سمعة واشنطن العسكرية..
كما أن البنتاغون يريد البقاء أطول مدة في سورية بهدف الضغط الاقتصادي عليها، وبالتالي الضغط على حلفائها خاصة في إيران.. فواشنطن تحاول الإكثار من الجبهات المفتوحة ضد طهران وستؤجل الخروج من سورية حتى نضوج المشهد بشكل أكبر في المنطقة ووضوح رؤية المواجهة مع إيران..
إذاً رغم كل ما يحدث في إدلب وحلب وريفهما إلا أن العين السورية تترقب السلوك والتحركات الأميركية في منطقة الجزيرة السورية... فدمشق أعلنت نيتها تحرير الشمال السوري وأعطت فرصة كبيرة لـ (قسد) إلا أنها قد تستوعب عدم قدرتها على الالتزام بما قدمته من وعود بسبب الضغط الأميركي ومحاولة واشنطن استغلالها أكثر، ودمجها بما تسميه قوة عربية تقول إنها تحت قيادة (قسد).. لكن ذلك لن ينجح بأدنى المستويات التي تترجاها واشنطن فالمقاومة الشعبية في الجزيرة ستكون نواة إخراج القوات الأميركية.