فالحروب التي تقودها أمريكا في العراق وأفغانستان شنتها للحفاظ على الهيمنة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، والاستحواذ على الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط ولاسيما النفط والغاز وحماية قيمة الدولار الأمريكي بوصفه عملة احتياطية دولية مستقرة.
قبل قرون كتب المؤرخ الألماني كارل فون كلاوزفيتز عن الحرب قائلاً: «الحرب ليست مجرد عمل سياسي فحسب وإنما أيضاً أداة سياسية حقيقية لتحقيق بعض المآرب» وغالباً ما تخشى النخبة القليلة الحاكمة التي تخطط وتشن الحروب من ردة فعل المواطنين ورفضهم قبول ما يسمى بعقلانية الحرب.
وقد استخدم معظم دعاة الحروب مصطلح «الخوف» كواحد من أهم وسائل الدعاية والتلاعب لتكريس ولاء المواطنين العاديين لنخبة الداعين إلى الحرب في حالة الأزمات.
لقد ذكر شيلدون ريتشمان «الحرب برنامج الحكومة» أن «الحرب هي أكثر البرامج الحكومية خطورة من غيرها لسبب واضح: هو القتل الجماعي، والحرب مفيدة في إبقاء الشعب في حالة من الخوف، وبالتالي يتحتم عليهم أن يثقوا بحاكمهم».
والواقع أن حرب أوباما في بلاد الأفغان بدأت بالفعل عندما تقرر زيادة القوات الأمريكية المقاتلة هناك بنحو 40 ألف جندي، إضافة إلى آلاف الجنود الآخرين الذين سيأتون من دول أعضاء في حلف الأطلسي.
هذا الصيف سيشهد عمليات عسكرية أمريكية-أطلسية واسعة النطاق في المناطق التي تسيطر عليها طالبان، إضافة إلى عمليات أخرى في مناطق القبائل على الحدود الأفغانية الباكستانية.
وفي الوقت نفسه ستنشط واشنطن لضخ المزيد من الاستثمارات في الجيش والدولة الأفغانيين بهدف تجهيزهما لحرب مديدة مع «القاعدة-طالبان».
باختصار أوباما حزم أمره وهو سيكون رئيس حرب في أفغانستان والعراق وربما أيضاً في غيرهما وماعدا العراق ستكون هذه حروب اختيار لا حروب ضرورة، وخصوصاً في أفغانستان، وإن كانت شعارات هذه الحرب ستذكر الأمريكيين بأن جنودهم يقاتلون ويقتلون في تلك البلاد القصية والفقيرة لمنع الأصوليين من مهاجمة عمق الوطن الأمريكي.
ولسنا نحن من يقول ذلك بل هم الأمريكيون أنفسهم، فقد أوضح المحلل والمخطط الاستراتيجي البارز ريتشارد هاس أن «استراتيجية أوباما الجديدة تشدد على تمديد الحرب في أفغانستان لتشمل طالبان» وهذا يوحي بأن واشنطن تخلت عن الهدف الصغير المتمثل بمقاتلة «القاعدة» لمصلحة هدف أكبر هو مساعدة حكومة كابول على الانتصار على طالبان.
وهذه ليست كما كان الأمر بعد 11 أيلول حرب ضرورة بل حرب اختيار.
كما أن استراتيجية أوباما نفسها كانت واضحة هي الأخرى في رفضها اعتبار المعركة مع «القاعدة» عملية أمنية وتمسكها بأن هذه الحرب يجب خوضها وربحها ليس فقط ضد «القاعدة» بل أيضاً طالبان وكل العناصر الأصولية المتطرفة الأخرى المتحالفة معها، وكل هذا يجب أن يتم في إطار توجه إقليمي تكون أفغانستان هي محوره ومركزه لكنه يطال منطقة جنوب آسيا برمتها.
هل يذكرنا هذا المنطق بشيء ما؟ يفترض ذلك، إنه يجب أن يذكرنا بالرئيس بوش وتوجهاته حول الحرب العامة على الإرهاب مع فارق وحيد، بوش بدأ مثل هذه الحرب منذ بداية عهده وأوباما سيجد نفسه وبالتدريج متورطاً فيها حتى الثمالة في نهاية عهد الأول وهذا لن يكون واضحاً في حرب أفغانستان وحسب بل أيضاً في باكستان.
كل هذه الوقائع تدفع إلى القول: إن الرئيس أوباما بدأ عملياً على الأقل يشبه كثيراً الرئيس بوش فأينما يممنا وجهنا نجد أن أوباما ينزلق بالفعل إلى المواقع التي كان عليها بوش طيلة الأعوام الثمانية مدة رئاسته في العراق وأفغانستان وباكستان، ثم بالطبع هناك الملف النووي والإقليمي الإيراني الذي أوضح دبلوماسيون عرب زاروا واشنطن أخيراً بأن هذه الأخيرة ليست واثقة أبداً من أن انفتاحها وحوارها مع طهران قد يسفران بالفعل عن تفاهمات نووية وإقليمية ما ناهيك عن صفقات كبرى وهذا يعني أن الانفتاح الإيراني-الأمريكي قد ينقلب في أي حين إلى انغلاق وصدام.
وماذا أيضاً؟ هناك مسألة السلام العربي-الإسرائيلي والتي يتوقع أن تحولها حكومة نتنياهو إلى ركام تحت شعاري «السلام الاقتصادي» في الضفة الغربية و«أولوية التحالف» ضد إيران وحين يغيب السلام فإن آٌفاق الحرب ستكون مفتوحة على مصراعيها، وهذا على أي حال لم يعد افتراضاً أو استنتاجاً.
فتل أبيب أجرت (مناورات تحول4) في أواخر الشهر الماضي تحاكي حرباً يمكن أن تنشب على جبهات عدة.
الآن: إذا ما جمعنا كل هذه المعطيات فوق صفحة واحدة ثم حاولنا صياغة جملة مفيدة فبماذا سنخرج؟
بحصيلة واحدة في الغالب الرئيس أوباما قد يجد نفسه أسير كل حروب الرئيس بوش وهو لن يستطيع حتى لو أراد أن يشق عصا الطاعة عليها لسبب رئيس المصالح النفطية الكبرى في مثلث الخليج-أفغانستان-آسياالجنوبية والوسطى والتي تفرض عليه أن يجعل كل حرب اختيارية في أي من أضلاع هذا المثلث حرب ضرورة.