فهناك من يؤثر الكتابة الصباحية المبكرة التي تتحول مع الزمن الى عادة يصعب الخروج منها وتصبح ساعات الصباح تاليا مرادفة لعملية الخلق الأدبي أومستدعية له دون غيرها من الأوقات، وهناك من يؤثر الكتابة عند الغروب وساعات المساء حيث المنطقة الملتبسة بين الضوء والظلمة أو حيث يتم اختلاط الليل والنهار على قول الشاعر أحمد دحبور وآخرون لا يتمكنون من الكتابة إلا في ساعات الليل المتأخرة حين يكون العالم في حالة سكونه القصوى وسباته العميق .
وكما يؤلف الكتاب عاداتهم الزمنية التي تتوافق مع طبائعهم وسرائرهم الداخلية يكونون في الوقت ذاته عادات وطقوساً تتعلق بالمكان ,فمنهم من يكتب في القطارات والفنادق والبلدان التي يزورها كما الحال مع الشاعر سعدي يوسف مثلا .ومنهم من يكتب في المقاهي وسط ضجيج البشر وحركتهم المستمرة كمحمد الماغوط وأدونيس.وآخرون لايستطيعون كتابة حرف واحد خارج منزلهم وغرفتهم ومكتبهم الخاص كنزار قباني . لكن الموضوع لا يقتصر على الطقوس المكانية و الزمانية بل يتعداها إلى تفاصيل صغيرة وجزيئات طريفة تجعل من الكتابة آلية بالغة الحساسية والتعقيد بالنسبة إلى الكثيرين . فمن الكتاب من يستهلك أثناء الكتابة العديد من فناجين القهوة أو الشاي ,منهم من يستهلك كميات من السجائر و الغليون ,حيث تساعده سحب الدخان لمطاردة صوره وخيالاته , إضافة إلى الكتاب الذين يتعاطون الكحول أو سواها بحثا عن عوالم منبعثة من الأحلام والتهيؤات و الهلوسات . وقد سبق لغادة السمان أن وصفت بشكل لافت هذه التجربة في كتابها المميز-السباحة في بحيرة الشيطان_.هكذا تضيق على ابعد الحدود مساحة الحرية التي تتجول فوقها خيالاتهم الحرون وكلما سور الكاتب نفسه بسياج من العادات والطقوس الملزمة بدت الكتابة أكثر صعوبة بالنسبة إليه وصارت اللغة نفسها مرتبطة بتحقيق المزيد من الشروط التي يصعب توافرها في أوقات كثيرة .إن العادات هي نوع من القيود والحواجز التي ما إن نضيف إليها قيود الإبداع نفسه حتى تتحول الكتابة لغزاً مبهماً أو مرضاً مستعصياً يصعب الشفاء منه . ولهذا السبب ربما ربط الكثيرون بين الإبداع والمرض كما بين الإبداع والجنون ونظرت الفئات الشعبية الى الكتاب والفنانين بوصفهم كائنات غريبة وصعبة الفهم .هكذا اعتبر البعض أن –الجنون فنون-,واعتبر البعض الآخر أن الفن عملية منغلقة وصعبة التفسير لأن المعنى يظل أبدا في قلب الشاعر.