تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المبدعون ثمار صحراوية لا تينع إلا في القحط

كتب
الأربعاء 9-6-2010م
يمن سليمان عباس

العباقرة والمبدعون وحدهم من يغير التاريخ ويصنع الحضارة وما قدموه هو الذي يجعلنا في هذه الحالة من الراحة والاطمئنان وما سيقدمونه هو أيضاً سيجعل الأجيال القادمة تتجاوز ما نحن فيه.

ولكن هل فكرنا في البحث عن أسرار هذه العقول كيف تفكر؟ كيف تعمل؟ ما سر عبقريتها؟ ما الذي يجعل العبقري متميزاً عن الآخرين؟ هل السلوك الاجتماعي ذاته؟ ما الحاضنة التي جعلته في هذه المكانة؟..‏

أسئلة كثيرة تخطر في البال ويبحث كتاب العقول الخارقة من النوابغ إلى العباقرة يبحث في هذه الأسئلة ويكشف كواليس هؤلاء.‏

الكتاب من تأليف روبير كلارك ترجمة هالة صلاح الدين لولو وصادر عن دار الفكر في دمشق.‏

يبدو أن الإبحار في الكتاب يجعلنا في حالة من الضياع إذا لم تكن القراءة شاملة ولذا يمكننا أن نقف عند ظواهر محدودة ونترك للقارئ أن يستمتع ما في التفاصيل ضمن الكتاب.‏

أينشتاين طفل أحمق:‏

يقول المؤلف: لن يصبح الأطفال النوابغ كلهم رجالاً ونساء متميزين إذ إنهم غالباً ما يتصفون بالهشاشة النفسية ويتكيفون بصعوبة أحياناً مع مصادفات الحياة الاجتماعية.‏

ففي عام 1922 شرع (لويس تيرمان) بإجراء دراسة في الولايات المتحدة متتبعاً أكثر من ألف وخمسمئة طفل موهوب فكرياً وأجرى تلك الدراسة في مدارس كاليفورنيا العامة .‏

لقد أضحى أغلب هؤلاء راشدين ناجحين في مهنهم لكن أياً منهم لم يصبح مبدعاً فذاً وإن كان عدد كبير منهم قد بلغوا مراكز رفيعة غير أن معدل المشاكل الشخصية المرتبطة بالعلاقات الزوجية أو بالتعلق بالمسكرات كان عندهم أعلى من المتوسط.‏

ونجد على النقيض أن كثيراً من العظماء لم يكونوا أطفالاً موهوبين بشكل استثنائي فإن كانت (ماري كوري) و(فرويد) قد أنجزا دراسات باهرة فإن نيوتن قد أمضى من شبابه في الحقل أكثر مما أمضى في المدرسة ورأينا أن عائلة (أينشتاين) كانت تظنه أحمق لأنه تكلم في وقت متأخر جداً ولم يكن تحصيله المدرسي جيداً إلا في الرياضيات والفيزياء ونال زولا علامات متدنية جداً في اللغة الفرنسية كما وجد بيكاسو مشقة كبيرة في تعلم الأبجدية وكان على الدوام تلميذاً ضعيف التحصيل.‏

أما تولستوي وداروين فقد كان أداؤهما في الصف دون المتوسط وظل (وينستون تشرشل) الذي ولد قبل الأوان في الشهر السابع ضعيفاً طوال طفولته ولم تظهر عليه أي موهبة فريدة واعتقد أبوه وأساتذته أنه محكوم عليه بالخمول.‏

ولاريب أن بعض المشاهير كانواً أطفالاً عباقرة لكن آخرين استغرقوا وقتاً طويلاً لإثبات موهبتهم الفريدة.‏

مفارقة:‏

ويضيف المؤلف قائلاً: إن كان نبوغ المرء منذ طفولته ليس ضماناً أكيداً للنجاح فإن العكس هو الصحيح فثمة أطفال قليلو الموهبة لكنهم أصبحوا أحياناً في وقت متأخر رجالاً ونساء متميزين.‏

لقد تحدث غوته ست لغات قبل أن يكمل عامه السابع لكن فان كوخ لم يشرع في الرسم إلا في عامه السابع والعشرين ولم يبدأ (غوغان) حياته المهنية في الرسم إلا في التاسعة والثلاثين من عمره أما ماتيس فإنه يدين في شروعه بالرسم إلى مرض أصابه ولم يهتم (تشايكوفسكي) بالموسيقا إلا في عمر السابعة عشرة وألف أول أعماله في الخامسة والعشرين من عمره وكتب برنارد شو أولى مسرحياته وهو في الأربعين واكتشف فرويد علم النفس وبدأ بالاهتمام بالتحليل النفسي حينما استهل سن الأربعين أيضاً.‏

وكثير من مشاهير المبدعين قدموا أعمالهم الأكثر روعة وهم في عمر متقدم، فقد رسم (انفرس) لوحته الحمام التركي وهو في الثانية والثمانين من العمر، وكتب سوفوكليس الملك أوديب وهو في الخامسة والسبعين من العمر وألف هايدن موسيقا الخلق وهو في السادسة والستين، وأنجز غوته فاوست وهو في سنه الحادية والثمانين وظل (فونتيل) متيقظ العقل حتى مماته في سن المئة وعندما كان يسأل قبل ذلك بقليل إن كان يتألم من عمره المديد كان يجيب: لا أشعر إلا بصعوبة أن أكون.‏

إذاً ليس النضج المبكر هو الذي يحل لغز العبقرية، فالأطفال الموهوبون على نحو استثنائي كانت لديهم فضلاً عن ذلك حظوظ بالغة التنوع، فبعضهم عرف سعادة المولد في أسر شجعت ودفعت قدماً مواهبهم وهذا ما سنراه عند موزارت وبيكاسو إذ أدرك أبواهما سريعاً قدرات طفليهما وقاما بتوجيهها ،وهنالك أيضاً حالة الفيلسوف وعالم الاقتصاد الانكليزي جون ستيوارت ميل الابن البكر في عائلة لديها تسعة أطفال حيث حرص أبوه على أن يكون موضوع تجربة ترمي إلى جعله نابغة وهكذا أخضعه الأب منذ طفولته الباكرة إلى نظام قاس مجبراً اياه على تعلم اليونانية وهو في عمر الثالثة ومن ثم اللاتينية دون السماح له بتسلية أو بألعاب أطفال واستوعب الطفل كل ذلك دون إشكال وذلك بفضل ذاكرته الفريدة وانقضت الأمسيات في تعلم دروس الحساب وفي سن الثامنة أصبح معلماً للأطفال الآخرين حيث علمهم اليونانية واللاتينية.‏

وفي الحادية عشرة ألف كتاباً عن حكومة روما، كما ألم بعلم الهندسة والجبر وأصبح الفتى (جون ستيوارت ميل) الذي سيبرز في الحياة بفضل تلك التربية الفريدة يافعاً مثقفاً بشكل رائع لكنه لم يكن ليعرف شيئاً عن الحياة وانما اكتشفها لدى أول انطلاقة له خارج الحجر الأبوي حينما قام برحلة إلى فرنسا وهو في الرابعة عشرة من عمره.‏

لكن كم من الأطفال الموهوبين قد ولدوا في بيئة لم تقدر مواهبهم ربما هنالك عدد لا يحصى من أمثال موزارت أو ستيوارت ميل قد ظهروا واختفوا سريعاً في بلادهم أو في بيئات لا يوجد فيها نظام جدير بتنمية قدراتهم بل وهنالك من وجد أن مواهبه هي محط عداء من أهله.‏

فأسرة بيرليوز عارضت حبه للموسيقا فكان عليه أن يرضي ذلك الحب خفية كما منعت عنه أسرته القوت حينما قرر أن يتخلى عن دراسة الطب من أجل الموسيقا وكان لابد لبعض أولئك الموهوبين أن يتدبروا أمرهم بمفردهم.‏

خلاصة القول:‏

الكتاب رحلة في عوالم وكواليس هؤلاء المبدعين تبين كيف كانوا وأين أصبحوا وهو فريد في موضوعه ومعلوماته يشعر القارئ أنه يكتشف أسراراً جديدة لم يكن يعرفها سابقاً.‏

الكتاب: العقول الخارقة - المؤلف : روبير كلارك - ترجمة: هالة صلاح الدين لولو - الناشر: دار الفكر‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية