تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شيمون بيريز..نهاية رجل بائس

دراسات
الثلاثاء 20/12/2005م
عدنان علي

بإعلانه الانسحاب من حزب العمل ودعمه العلني لحزب ارييل شارون الجديد كديما, يقطع شمعون بيريز نهائيا حتى الرباط الشكلي الذي يصله مع ما يسمى معسكر اليسار الإسرائىلي, مكرسا صورته الشائعة كشخص يفتقر الى المبادىء ويميل مع السلطة حيث تميل.

وكعادته عندما يتحضر للقفز الى عربة السلطة والتي لا يجاريه أحد في تتبع خط مسيرها, قال بيريز: إنه يترك حزب العمل لأنه وكما تعلم من معلمه بن غوريون, يقدم مصلحة الدولة على مصلحة الحزب, وأنه سأل نفسه أسئلة من قبيل: في أي مجال يمكنني أن أساهم بالطريقة الفضلى في السنوات المقبلة? والجواب هو: دفع عملية السلام الى الأمام الأمر الذي يوفر أيضا الازدهار الاقتصادي والعدالة الاجتماعية, واعتبر بيريز أن الشخص الأكثر قدرة على تحقيق ذلك هو ارييل شارون وأنه أي بيريز قرر تكريس السنوات المقبلة للمساهمة في تحقيق السلام..!‏

وطبعا المساهمة في دفع عملية السلام كانت دائما هي الحجة الجاهزة عند بيريز لتبرير تسلقه أي حكومة من أي لون, لكن الحقيقة هي أنه مجرد مدع لا يكف عن تغيير جلده مثل أي حرباء دافعه الرئىس هو شهوة السلطة وأضواء الإعلام.‏

ومن يستعرض تاريخ هذا الرجل مذ كان الطفل المدلل لدى بن غوريون في خمسينات القرن الماضي الى انشقاقه الحالي عن حزبه الذي قضى فيه جل عمره (عمره حاليا 82 عاما) يجد تذبذبا هائلا في مواقفه واستعدادا مطلقا للقيام بكل الأدوار على ما فيها من تناقضات مع الرفض العنيد للابتعاد عن الأضواء برغم الاخفاقات الكثيرة التي مني بها في حياته السياسية خاصة في الانتخابات حتى حاز بجدارة لقب المستر خاسر حيث لم يفز مطلقا بأي انتخابات خاضها وجميع مناصبه تولاها في ظروف خاصة أو بالتزكية كونه الأقدم والأكبر سنا.‏

وبيريز يعيش منذ سنوات حالة من انعدام الوزن تتجاذبه مجموعة من المتناقضات وهو إذ يتشدق بالكلمات عن عملية السلام, لم يعد في الواقع يهتم بتمييز نفسه عن شارون لأن المساحة التي يتركها له الأخير لتحقيق هذا التمايز تبدو من الضآلة حيث لا يلحظها أحد فشارون ومنذ العروض الأولى التي قدمها لبيريز, لم يفكر إلا في استخدامه بوظيفة علاقات عامة خاصة في السنوات التي كان لبيريز رصيد دولي وربما إقليمي كداعية سلام وصاحب رؤية استراتيجية لتعايش إسرائىل وتعاونها مع دول المنطقة, الآن بيريز خاصة بعد انسحابه من حزبه التاريخي لم يعد يملك أي رأسمال, لا حزب ولا حتى رصيد سياسي خاصة بعد أن نجح شارون الى حد ما في تسويق نفسه خلال السنوات الأخيرة كرجل سلام على الأقل أميركيا وبدرجة أقل أوروبيا باعتبار أن ما يعرضه (الانسحاب الأحادي من غزة) هو أفضل المتاح حسبما يوحي, وأنه لا توجد قوة سياسية أخرى في إسرائىل باستثناء شارون قادرة على تحريك ساكن بين إسرائيل والفلسطينيين.‏

إذا, شارون ليس بحاجة ماسة لخدمات بيريز في المرحلة المقبلة بعد أن نجح أيضا في بناء علاقات متينة جدا مع الإدارة الأميركية مكنته من الحصول على تعهدات من إدارة بوش بعدم الرجوع إلى حدود 67 مع الفلسطينيين وبشبه اعتراف أميركي نهائي بسيادة إسرائيل على القدس المحتلة, وإقرار صريح ب (حق) إسرائيل في الاحتفاظ بمعظم المستوطنات في الضفة الغربية, مع استبعاد حق عودة اللاجئين الفلسطينيين برغم أنه (حق نظري) لا يستقيم مع معطيات الواقع!‏

الخدمة الأهم التي سيقدمها بيريز لشارون وحزبه الجديد هي إضعاف حزب العمل الذي بدا أنه يوشك أن يتعافى بعد أن تحرر من رئاسة بيريز الضعيفة المتذبذبة والتي تركته بلا برنامج سياسي واضح ومتماهياً إلى درجة التلاشي مع خطط شارون وسياساته.‏

والمعروف أن عمير بيرتس, خليفة بيريز في رئاسة حزب العمل هو من أصول شرقية بينما أغلبية قيادة الحزب وفي مقدمتهم بيريز, وحتى قواعده يتحدرون من أصول غربية (اشكنازية) ما قد يدفع, إضافة إلى خلفية بيريتس النقابية, شخصيات أخرى في الحزب إلى المغادرة إضافة إلى تلك التي أعلنت عزمها القيام بذلك مثل بيريز وحاييم رامون.‏

والحقيقة التي لم تعد تثير الدهشة هي أن ثمة رباطاً قوياً يجمع بين الشخصين, بيريز وشارون, وفضلاً عن صلاتهما العائلية, فهما يتفقان حالياً على مجمل مقومات (الحل النهائي) مع الفلسطينيين وعلى تجميد أو ربما إلغاء عملية السلام مع سورية.‏

وباستثناء إزالة ما يسمى (بؤر الاستيطان العشوائية) في الضفة الغربية, وربما هذه الإضافة الوحيدة التي ادخلها حزب العمل على برنامج شارون خلال تحالفهما الأخير, وأراد منها شارون إرضاء الإدارة الأميركية أكثر منه إرضاء حزب العمل, باستثناء ذلك, فإن شارون التزم بموافقه إزاء القضايا الرئيسية موضع الخلاف من القدس إلى الاستيطان واللاجئين والحدود النهائية.‏

فضلاً عن السلام مع سورية, وهذه المواقف الرافضة للمطالب العربية العادلة والمشروعة اعلن شارون أنها نفسها ستكون عماد سياسة حزبه الجديد المسمى (كديما).‏

أخيراً, فإن شمعون بيريز بوصفه مجرد متطفل هرم, مهووس بالسلطة والأضواء, لن يكون له تأثير يذكر على أي حكومة يشكلها شارون إذا فاز حزبه في الانتخابات المبكرة المقرر أن تجري في آذار المقبل والتي قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن شارون سيعرض فيها على بيريز منصب (مبعوث السلام) أو يكلفه بتطوير منطقتي الجليل والنقب, أي تهويدهما!‏

وبعد لقب (المستر خاسر) ربما بات بيريز يستحق لقباً آخر هو الرجل البائس.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية