الحزب الذي كان أحد مؤسسيه عام 1967 وينضم إلى المشهور لغاية الحين بالمتشدد لإنشاء مشروع( إسرائيل الكبرى). ولا يفسر لنا ذلك الانقلاب المفاجىء القطيعة النهائية لزعيم حزب الليكود رئيس الوزراء الحالي مع حزبه فحسب, وإنما ليس صعباً علينا أن نستقرىء آخر تبدل لهذا الرأي وصفه يوماً الزعيم العمالي اسحق رابين, وكان خصمه داخل حزب العمل, (بالدساس الأبدي).
يعتبر شيمون بيريز أبرز نموذج لرجال السياسة الذين يلقون تقديرهم خارج البلاد أكثر ما يلقونه من الداخل. وجسد خلال فترات استلامه لمناصب حكومية سواء أكان رئيساً للوزراء أم وزيراًللخارجية, أم وزيراً للحرب, المسافر المنتدب لإسرائيل عبر العالم.
وأيام مجده, ذاق طعمها, في عام ,1994 حينما استلم جائزة نوبل للسلام عن اتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين إلى جانب اسحق رابين,رئيس وزراء إسرائيل حينها, وياسر عرفات, زعيم منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك.
والآن, فإن شيمون بيريز, وهو في الثانية والثمانين من العمر, فشل في احراز وتسجيل أي انتصار لصالحه في معاركه السياسية التي خاضها في إسرائيل.
وواكب الفشل الذريع مشوار عمله الطويل, الذي بدأه من اليسار خلال الأعوام الأولى لتأسيس إسرائيل, حتى ضرب به مثل على سبيل السخرية في إسرائيل يقول:( إن كنت تريد الانتصار لبيريز عليك تعلم الخسارة).
وأقسى ضربات الهزائم وجهها له الناخبون الإسرائيليون إبان الانتخابات المبكرة التي جرت شهر آذار 1996 عقب حادثة اغتيال اسحق رابين في الرابع من تشرين الثاني .1995
وفي حين لم يرتد شيمون بيريز البزة العسكرية في حياته قط, جسد في شخصيته دور زعيم حرب فعلي, حيث شن حربه الشعواء على جنوب لبنان, تلك الحرب التي ازهقت أرواح الآلاف من اللبنانيين, وحدثت حينها المجزرة المعروفة( مجزرة قانا) وفي حين كان يذاع صيته كمؤيد للسلام, جرّت إليه تلك الحرب خسارته لأصوات الناخبين العرب في إسرائيل,وبالتالي الانتخابات لمنصب رئيس وزراء خلفاً لرابين.
وهزيمته الأكثر مرارة يعود تاريخها إلى عام ,2000 حين خسر منصب رئيس إسرائيل, أما أحدث خسارة له فقد مني بها منذ حوالى الشهر ونيف, عندما تقدم عليه منافسه النقابي عمير بيريش في انتخابات حزب العمال.
ولغاية أعوام السبعينات كان يعد بيريز من صفوف ( الاشداء)- الصقور- وإن لم يكن عسكرياً مثل صديقه آرييل شارون, فقد لعب شيمون بيريز خلال أعوام الخمسينات, وكان يشغل حينها منصب وزير الحرب دوراً رئيسياً في تطوير الصناعة الحربية الإسرائيلية, وبالذات السلاح النووي بالتعاون مع فرنسا,خلال عهد الجمهورية الرابعة. ولم يدرك قطار السلام إلا في وقت متأخر حينها تقدم إلى المناقشات. والمؤتمرات التي كان يحضرها, بنظرياته حول(الشرق الأوسط الجديد) راسماً فيها المخططات الهادفة إلى تطوير المناطق المقفرة في التعايش المشترك بين إسرائيل وجيرانها العرب.
فهل ذلك (الخليط بين الطموح المستعر والعقلانية المجردة) الذي اعترف له به يوماً هنري كيسنجر, وزير خارجية الولايات المتحدة سابقاً, حين اجرائه مباحثات معه, كان هو الدافع المحرك لخوض معركته الأخيرة? لقد قطع صلته مع حزب أيام شبابه, الذي صار يعني له الزمان الغابر سعياً وراء طبق عدس بمنصب وزاري وعده به الأخ العدو.
ربما تكون تلك بادرة منه انتهازية من محترف عجوز عاجز عن ترك الساحة السياسية. وربما تعتبر آخر (ضربة) من رجل يرى في تبدل المنظر السياسي الإسرائيلي فرصة للخروج من مأزق.
فإن حقق آرييل شارون ما تنص عليه اتفاقيات أوسلو, سيسجل حتماً حصة لبيريز في ذلك.