فما أن تجلس في مقعدك, وينطلق بك الباص نحو إحدى المدن السورية البعيدة, حتى يبدأ عرض فيلم, يكون اختياره من قبل السائق أو مرافقه, وضمن خطة عرض متفق عليها بينهما, ويحصل أن تشاهد نفس الفيلم أكثر من مرة, وربما في كل مرة تبقي عينيك مفتوحتين الى أن يداهمك النعاس وتنام, وكصالات العرض يتوقف عرض الفيلم عند استراحة معينة على الطريق, ليعاود المرافق اكماله من جديد عند متابعة الرحلة.
والآن فقدت باصات البولمان فرادتها وأصبح لها منافسان جديدان هما قناتا (one) و(2) المتخصصتين بالأفلام الأميركية, وكأنهما قد أخذتا وكالة حصرية بذلك وعلى مدار 24 ساعة يومياً, تبقى ماكينة العرض دائرة, ولهذا السبب كان لا بد من إعادة أي فيلم مرتين خلال هذه ال24 ساعة في وقتين مختلفين وبعد مدة قصيرة سيتم عرضه مرة ثالثة.
لم يجد القائمون على المحطتين بداً, وذلك لدخول منافسة شريفة مع الباصات, من عرض الأفلام القديمة والحديثة على السواء, فترى السيد بوند مثلا والذي لم يعد لوجوده أي معنى فيما بعد الحرب الباردة وسقوط الأيديولوجيات, يهجم لوحده ودون رفيق على كل الكتلة الاشتراكية, ويفتتها ويحيلها خراباً, ثم تأتي أفلام (الويستيرن) بألوانها الباهتة التي لا تناسب عصر تفوق الصورة, لتعلن عن تفوق البيض على الهنود الحمر, في استعراض مسدساتي بائس, لا يعجب سوى الأطفال ما دون سن المراهقة أما كولومبو فقد أراد استعادة هيبته التحقيقية حول جرائم قتل فردية كأنه لا علم له بالجرائم الفظيعة لسادة أميركا التي ملأت العالم ودمرت شعوباً بأكملها.
يمكن أن ترى سلسلة أفلام (روكي) عدة مرات, إذا أردت أن تؤسس لثقافة دموية كما يمكن أن تتابع ذلك المدافع العنيد (شوازنيجر) الذي يريد تخليص المستقبل من الفناء عبر سلسلة أفلام (المبيد).
أثناء مقارنة بسيطة لا يمكن أن تتفوق (one) أو(2) على باصات البولمان, لأن الأخيرة لا تتعدى بعروضها فرض قصص العشق والغرام المكرورة والمعروفة نهايتها سلفاً, والتي تختتم بانتصار العشيقين رغم الدموع الغزيرة التي تذرفها فتيات هائمات كنجلاء فتحي أو ميرفت أمين أو ناديا لطفي.