مثل هؤلاء وربما أكثر, يعيش مقدم أخبار الخامسة والنصف على التلفزيون السوري, عزلته اللانهائية, مغلفا بالوحشة وبالرغبة الملحة في العودة إلى البيت.
يتكلم ويتكلم دون ذرة يقين بوجود مستمع, كمن ينادي في واد سحيق ولكن دون عزاء الاستماع إلى الصدى, أناقته ووقاره ومكياجه كأنما من أجل مرآته فقط.
أجل بصراحة وباختصار وبقليل قليل من التعميم: لا أحد يشاهد نشرة الخامسة والنصف المحلية..
أخبار الخامسة والنصف هي الأخبار التي يعرفها الجميع قبل أن تحدث لأنها ببساطة تحدث بلا انقطاع ولاتعديل منذ ثلاثة أو أربعة عقود, وبالتالي فلا أحد يتحمس لمعرفتها مجددا وللمرة المليون:
تدشين مستودع,قص شريط لإرشادية زراعية, حفل خطابي صغير, حفل خطابي كبير.. زيارة ميدانية,تحت شعار.. انعقد, وتحت شعار.. سينعقد...
في سابقة فريدة ومنذ بضع سنوات, أتى معد برنامج الحرفيين آنذاك بشريط لحلقة قديمة, وقدمها للبث على أساس أنه حلقة طازجة أعدت للتو, بعد بث الحلقة بساعات فطن أحد المكلفين بالرقابة إلى وجود خلل طفيف:
كان ضيوف الحلقة يهنئون بعضهم بعيد العمال,ويتسابقون في تعداد مزايا الأول من أيار, علما أننا ( في ذلك الوقت) في السابع من كانون الأول..!
لولا الاختيار المتسرع لهذا التوقيت الخاطىء لكانت (اللعبة البريئة ) قد مرت بسلام, والله وحده يعلم عدد المرات التي مرت فيها بسلام سابقا.
بإمكان مقدم الخامسة والنصف أن يفعل شيئا مشابها بإمكانه أن يقرأ نشرة اليوم السابق أو اللاحق,أو يقرأ أبراج اليوم أو يحل الكلمات المتقاطعة أو يروي بعض الطرائف والنكات وكل شيء سيكون على ما يرام ودون أن ينتبه أي مشاهد وذلك لسبب بسيط: عدم وجود أي مشاهد.. تقولون إنني أبالغ..?! نعم بصراحة يوجد بعض المبالغات ولاسيما القول إن مقدم نشرة الأخبار المحلية هو الأكثر عزلة والواقع أنه يوجد من هم أكثر عزلة بكثير:
مقدم برنامج أرضنا الخضراء, وكل من السيدات والسادة مقدمات ومقدمي برامج: مع العمال, الشبيبة, الأطفال, الشرطة في خدمة الشعب, صباح الخير, مساء الخير, وتصبحون على خير.. اخر المشوار وغدا نلتقي..