|
قناة الحرة..ترويض الخيول على الطريقة الأميركية ثقافة إضافة إلى فشلها الذريع بتسويق سياسة المحافظين الجدد إلى درجة احتلت أخبار فشل هذه المحطة صدر الصفحة الأولى في واشنطن بوست. ليس في الأمر أي مبالغة أو تجن, فقد تحول هذا الفشل إلى فضيحة أمريكية بكل معنى الكلمة وإلا فلماذا يتم استجواب المسؤول الأمريكي عنها تومليسون ورئيس القناة بيرت كلاينمان ومدير الأخبار موفق حرب من قبل مجلس النواب الأمريكي وكذلك في الكونغرس حول غياب تأثيرها وفشل رسالتها وكذلك عدم كفاءة العاملين والتفريق بين موظفيها مع تفضيل لبنانيين من اتجاه محدد على سواهم. ورفعت شكاوى ضدها بهذا الصدد من 400 من موظفي الإعلام الأمريكي الخارجي , في حين تضمن تقرير المفتش العام اتهام القائمين عليها بالمبالغات الكبيرة في تصوير نجاح غير قائم على الأرض. قاموس الحرة - الاحتلال الأميركي : قوات التحالف - المقاومة ( فلسطين , العراق, لبنان...) الإرهاب - العمليات الاستشهادية : العمليات الانتحارية - فلسطين : أراضي السلطة الفلسطينية - القصف الإسرائيلي : عمليات أمنية وتنتمي قناة الحرة إلى ذلك النوع من الإعلام المكشوف الأهداف, فهي تعرف نفسها في موقعها على الإنترنت بأنها ممولة من الشعب الأميركي عن طريق الكونغرس. وتبلغ ميزانيتها السنوية نحو خمسين مليون دولار. ويترأس مجلس البث الذي تتبع له وزير الخارجية مع عضوية أربعة من الحزب الجمهوري ومثلهم من الديمقراطي. أهداف واضحة وقد أعلنت الإدارة الأميركية أن هدف هذه المحطة وكذلك إذاعة سوا هو التأثير على العرب ووضعهم على طريق الديمقراطية , ولكن مالم يتم الإعلان عنه هو ضرورة التخفيف من تأثيرات القنوات الفضائية الأخرى على المواطن العربي فيما يتعلق بسمعة ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن من أين يأتي فشل هذه المحطة رغم التمويل الهائل لها وإمكانية تفردها بمعلومات من مصادر تتعذر على المحطات الأخرى ? في البداية يمكن إرجاع الفشل إلى ظروف خارجية تخص صورة الولايات المتحدة لدى العرب والتشكك من كل ما يأتي منها وخاصة مشروع استنبات الديمقراطية الأميركية . مصادر الفشل يبدو لي أن ثمة أسباباً أخرى تكمن وراء فشلها, منها العقلية الإعلامية التي تدار بها هذه المحطة , فمثلاً في الوقت الذي تتبنى فيه قناة الحرة منطق تسويق الديمقراطية نراها تعتمد على إعلاميين لا يتمتعون بأدنى درجة من الديمقراطية, نذكر منهم زياد نجيم في برنامج ساعة حرة ( سياسي) وجوزيف عيساوي في برنامج قريب جداً ( ثقافي) نراهما كيف يتعاملان مع ضيوفهما بطريقة ديكتاتورية.. قمعية وإقصائية تبلغ حد الاستفزاز, لا للضيف فحسب بل للمشاهد أيضاً , ويستخدمان مفردات ونبرة عنيفة حتى يظن المشاهد بأن قوة رأيهما تأتي من قوة أمريكا, وبالتالي تحولا ببرامجهما إلى سلاح أمريكي جديد يوجه إلى المشاهد بدل أن يكونا أداة ( تلطيف) للأسلحة الأخرى الذي يعد هدف القناة . وهذا ما سمي في استجواب مجلس النواب الأمريكي بغياب المهنية , فكثير من ضيوفهما انسحبوا من البرنامج أثناء الحوار . تناقضها من ذاتها غريب أمر هذه المحطة, والغرابة تكمن في كونها ممولة من قبل الحكومة الأمريكية إلا أنها ممنوعة في أمريكا , فالقانون الأميركي يمنع بثها إلى المواطنين في الولايات المتحدة لأنها مصنفة كمحطة دعائية سياسية وإيديولوجية, مع أنها تبث من واشنطن, وقد حصر إرسالها على قمري نايل سات وعرب سات. فكيف يمكن للمواطن العربي تقبل وجبة لا يوافق مقدمها على تناولها ! الخيول المروضة في مقطع أخاذ تتجمع ( قطعان) من الخيول البرية القادمة من جهات عدة لتقف بهدوء وسكينة يوحيان بأنها روضت جيداً, هذا هو الشعار البصري لمحطة الحرة والذي ينقل للمشاهد إحساساً بأنه سيتم ترويضه بالديمقراطية الأميركية تماماً مثل هذه الخيول الجميلة, ليس في هذا تفسير افتراضي بل يجسد بصورة مباشرة هدف المحطة المعلن, والمعروف في الإعلام أن أضعف أنواع التأثير هو المباشر, ما يذكرنا بالبروباغندا التي أمضت الولايات المتحدة نصف قرن في إدانتها أيام الحرب الباردة, لا بل عزت هزيمتها للاتحاد السوفييتي إلى انجاح التأثير الإعلامي الأميركي , بينما نراها اليوم تعيد إنتاج أساليب من هزمتهم سابقاً . وهكذا توحي فكرة قناة الحرة بماهية الرؤية الأميركية للإعلام وخطورة تأثيره ومدى مفاعيله, ويشير التفكير الأميركي بهذه الطريقة إلى الشكل القادم من الصراع المتمركز حول من ستكون له مناطق النفوذ الأوسع والسيادة على عقل المشاهد العربي . ولأننا في عصر الإعلام وسهولة تداول المعلومات فقد انهزم الخصم في هذه الجولة, لعل هذا يساعدنا في تفسير ردود الفعل السلبية تجاه هذه القناة والطريقة التي توجهت بها إلى المشاهد بحيث جوبهت -وإلى حد كبير - بتحريم التعامل معها من قبل الكتاب في سورية ومصر ومن قبل النقابات في الأردن , ورغم المبالغ الكبيرة التي تعرض عليهم رفض كثير من الضيوف المدعوين لها الظهور على شاشتها. وبلغ الحد ببعضهم بإعلان ندمه على المشاركة وأثناء ظهوره على شاشة الحرة . هل يمكننا القول في زمن الفضائيات والإنترنت بأنه انتهى ذاك الزمن الذي كان فيه المال والقوة يقلبان الحقائق ويتلاعبان بالعقول ?
|