بالدرجة الأولى.. تحقيق حالة مقبولة من التفاعل الحقيقي بين طرفي العملية: مرسل ومتلقٍ.. وصولاً إلى صيغة ارتقاء بالذائقة الجمالية لعموم المتلقين/الجمهور.
وبالتالي يتطلب الأمر، نشداناً لرفع «جماليات التلقي»، تحقيق حالة من التراكم المعرفي، عبر تكريس المنجز الثقافي والأهم معرفة السبل الأنجع لتسويقه.. وكل ذلك لا يتأتى بسهولة.
هل اشتغلت مؤسساتنا الثقافية، طوال سنوات وعقود، على اختلاف اختصاصاتها، ابتداءً بمراكزنا الثقافية وانتهاءً بأعلى سلطة تعنى بالشأن الثقافي، على جعل المنتج المعرفي الإبداعي «الخلاق» منتجاً مطلوباً ومحبباً تتهافت عليه مختلف شرائح المجتمع..؟
بمعنى: هل قدرت على خلق حالة تواصلية جذابة مع «المتلقي»..؟
كيف نبني ذائقة جمالية تقدّر قيمة الفنون والآداب الإنسانية بعمومها..؟
كيف نبني الإنسان جمالياً.. كيف نصوغ مفردات عيشه بطريقة تهذب من نبرة تلقيه لفنون الإبداع..؟
بعضٌ من الأسئلة التي خطرت في البال أثناء حضوري الجلسة الأولى من الدورة التعريفية التي أقامتها وزارة الثقافية، متابعةً لمقترحات كانت نتجت عن ورشة عمل الثقافة والإعلام التي عُقدت برعاية ذات الوزارة الشهر الماضي.
ربما تساءل البعض: وما علاقة هذه التساؤلات بالغاية التي أقيمت من أجلها الدورة التعريفية..؟
كل العلاقة تكمن بين هذه وتلك.
جاءت الدورة تحت عنوان «الإعلام الثقافي: تغطية متخصصة.. حضور فاعل»، أي إنها تهدف للارتقاء بطبيعة الأداء الصحفي والمتابعة الصحفية التي تأتي تالياً للنشاط الثقافي، للتعريف به والتعليق/ النقد، إن أمكن، عليه.
في الدورة ملمح تصويب لعمل الصحفي.. لا مانع من ذلك لكن أليس الصحفي قبل أي شيء آخر، «متلقياً».. كيف يمكن لآليات التلقي ومرجعياته لديه أن تعمل بأسلوبية تختلف عن سائر المتلقين الذين سقطوا سهواً هم وذائقتهم الجمالية من حساب ذوي الأمر الثقافي لدينا..؟
بمعنى: التربية الجمالية، إن وجدت لدينا، هي ذاتها التي ينشربها الصحفي مع غيره من جمهور المتابعين.. فكيف لنا أن نلوم من لم يتربَّ على تذوق سليم للغة العالم أن يمتلك إحساساً مرهفاً صائباً في تعاطيه مع المنتج الموسيقي.. كيف..؟
جزئية فاتت السادة المحاضرين الذين كانوا في أولى جلسات الدورة التعريفية المختصة بالشأن الموسيقي.. وهما: الأستاذ أندريه معلولي عميد المعهد العالي للموسيقا، والدكتور عدنان فتح الله قائد الفرقة الوطنية السورية للموسيقا الشرقية، وأدارت الجلسة الدكتورة لبنى بشارة مديرة التنمية الإدارية في وزارة الثقافية.
اعتماداً على هدف الدورة قام كل من المحاضرين بتقديم لمحة عن أهم تعريفات ومصطلحات علم الموسيقا التي يُفترض بأي صحفي متابع ومهتم بهذا الاختصاص الفني الجمالي أن يُلمّ بها.
كلٌ من «معلولي» و«فتح الله» أعطى تكثيفاً تخصصياً مفيداً لابد من معرفته من قبل الصحفي المشتغل أو المتابع للنشاطات الموسيقية.
بلمحة بانورامية سريعة عرفنا معهما معنى لقب المايسترو، على من نطلقه.. وما الفرق بين الكورال والكورس.. على سبيل المثال.. وبين الموسيقا الكلاسيكية والغربية أيضاً.
كما اطلعا الحضور على أهم الأعمال والجهود التي تبذل في المجال الموسيقي محلياً.. كأن يتم دمج الموسيقا العالمية بالموسيقا العربية أو العكس.
اقتراح معلولي وفتح الله إمكانية إدخال اختصاصات في كلية الإعلام.. على أساسها يختار الطالب مجالاً يرغب به في سنواته الجامعية المتقدمة.. أو من الممكن اقتراح إنشاء قسم الدراسات الموسيقية في المعهد العالي على غرار قسم الدراسات المسرحية في معهد الفنون المسرحية، وهو الاقتراح الأقرب إلى التطبيق العملي والأكثر منطقية من حيث الوصول إلى نتيجة مأمولة.
صحيح أن الموسيقا، كعلم أكاديمي، تبدو صعبة المتابعة والإلمام لغير المختصين، لكن الثنائي المحاضر خلق حالة تفاعلية لافتة فيها من التجاذب بين الطرفين «مرسل، متلقٍ» الشيء الجميل والمأمول دائماً من هكذا لقاءات.. على الرغم من أن عدد الحضور لم يكن بالكثير، بل محدوداً.. ما يفتح باب اللقاء على إشكالية أخرى ضمن الإشكاليات/المشكلات التي تواجه نشاطاتنا الثقافية.
من اللافت الإشارة إلى الخبر الذي أعلنه معلولي أثناء اللقاء، عن افتتاح قاعة السكايب في المعهد العالي للموسيقا في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، كأداة جديدة للارتقاء بالأسلوبية التعليمية في المعهد، تسعى إلى إتاحة الدروس الموسيقية من بقاع العالم المختلفة.
lamisali25@yahoo.com