|
السلام ليس خطابات منمقة ! شؤون سياسية ولهذا فإن السلام يعادل الحياة الطبيعية للإنسان ولذلك لا يحق لأحد أن يحول قضية السلام إلى مجرد كلمات منمقة وأضاليل لا تحمل أي معنى حقيقي للسلام كما تفعل إسرائيل وحليفها الاستراتيجي الأمريكي في منطقتنا العربية . هذه المنطقة التي ابتليت بالحروب والأعمال العدوانية والاحتلال منذ قرون طويلة وما زالت حتى اليوم تعاني من السلوك العدواني والسياسة القائمة على اغتصاب حقوق العرب أبناء هذه المنطقة من قبل الكيان الصهيوني الذي تحول منذ قيامه إلى عامل للتوتر والحروب واحتلال الأرض العربية. والاستمرار بمثل هذه السياسة لا يسمح بأن تنعم المنطقة بالسلام الحقيقي إلا بإرغام هذا الكيان ذي الطبيعة الفاشية بالتوقف عن منطقه وسلوكه العدواني المناقض لطموحات السلام,وكل تلاعب بالمصطلحات اللفظية حول السلام الذي نشهده هذه الأيام الهدف منه نسف القواعد والأسس العادلة للسلام,وشروط السلام وعوامله بسيطة جدا وهي مضمون القرارات المتخذة في مؤسسات الشرعية الدولية مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وخاصة القرارات 242 و 338 و 425 و ,195فتطبيق هذه القرارات هو المعيار الرئيسي لمحبي السلام والأمن في المنطقة العربية ,وخلاف ذلك يعني استمرار اغتصاب الحقوق وفرض منطق الاستسلام وانتهاك الكرامات الوطنية والإنسانية وبالتالي انتفاء عوامل السلام العادل والشامل,وكان الرئيس بشار الأسد واضحا كما هي عادته في تحديد الموقف السوري من عملية السلام في الشرق الأوسط في كلمته الهامة الموجهة إلى قواتنا المسلحة بمناسبة الذكرى الثانية والستين لتأسيس الجيش العربي السوري عندما قال:( ومن هنا يأتي حرص سورية إلى تجذير عوامل قوتها جيشا وشعبا على شتى الصعد والميادين .. في الوقت الذي تنشد فيه السلام العادل والشامل وفق قرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام... وتعمل صادقة لتحقيق ذلك ,يقينا منها أن السلام الحقيقي كفيل بإنهاء التوتر وإحقاق الحقوق وتحقيق الأمن والاستقرار لكل المنطقة). ويؤكد :( أن رغبتنا بالسلام لا تعني أبدا التخلي عن حقوقنا, فسورية قيادة وشعبا وجيشا لن ترضى بغير استعادة الجولان كاملا حتى حدود الرابع من حزيران 1967) . إن هذا الربط بين قوة سورية جيشا وشعبا بالسلام فرضته العقلية العدوانية التسلطية المتحكمة بحكام إسرائيل وحلفائهم الأمريكان لأنه بقوة الشعوب فقط يمكن فرض السلام الحقيقي الذي يجب أن يشمل الجميع وهذا يقتضي لجم أمراء الحرب ورغباتهم الجامحة بالهيمنة والتسلط. ولا يحتاج المرء إلى عظيم جهد لتكوين فكرة أو التوصل إلى استنتاج لمعرفة من يريد السلام ومن يقف ضده في المنطقة ,فإسرائيل وأمريكا اللتان تتاجران بالكلام عن السلام مستخفتين بعقول الآخرين تتحدثان عن السلام وتعملان كل ما من شأنه عرقلته ,وبمثل هكذا سلوك لا يمكن لأحد أن يقتنع بأنهما تريدان السلام لا سيما وأن الولايات المتحدة التي يقودها المحافظون الجدد الصهاينة يخدمون السياسة الإسرائيلية بتمييع قضية السلام أملا في تكريس واقع الحال في المنطقة العربية لإبقائها في حالة من التشرذم والانقسامات . هذا الواقع الملائم جدا لتحقيق مخططاتهم ومشاريعهم التي طرحوها بكل صفاقة خلال السنوات الأخيرة,فالسلام لا يتحقق بالأحاديث الفاقدة للعمل الجدي والدؤوب الملموس باتجاهه ,وسياسة الولايات المتحدة هذه ليست دعما للعدوانية الإسرائيلية وحسب بل وتقوية تلك القوى التي تطلق عليها الولايات المتحدة وإسرائيل( بالمعتدلة) أي تلك القوى التي تحاول واشنطن أن تزجها بحلف مع إسرائيل على حساب الحقوق العربية المشروعة والكرامة الوطنية . إن شعوب المنطقة التي خبرت مثل هذه السياسة تعرف أيضا أن سياسة التنازلات لن تأتي بالسلام بل تقود إلى المزيد من الغطرسة والحروب والسعي للهيمنة على هذه المنطقة. فالصراعات الدائرة الآن في العديد من الدول العربية تخضع عمليا لتوصيفات تتجاوز الحقيقة, فجوهرها يكمن في غياب التوافق الوطني على كيفية التعامل مع المحتل الأمريكي في العراق وعلى التعامل مع الوصاية الأمريكية والإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي في بلدان أخرى,فالانقسامات الحاصلة في العديد من المناطق الساخنة ومهما حاول البعض تغليفها بالقشور الطائفية أو المذهبية فإن الواقع غير ذلك تماما, فعدم التوافق الوطني تحركه العوامل السياسية بالدرجة الأولى والصراع يشكل جزءا من المنظومة المتحكمة اليوم في الصراع الرئيسي القائم على امتداد المنطقة والعالم ,ويحاول الأمريكيون والإسرائيليون وأعوانهم تشويه حقيقة الصراع وإطلاق مواصفات الأعداء والأصدقاء والخصوم لدرجة أن الكثيرين لم يعودوا قادرين على فهم من هو العدو ومن هو الصديق إقليميا وعالميا ولصالح من كل ما يجري?. ولو تجاوبت الإدارة الأمريكية مع مبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام 2002 وجعلتها أساسا لمؤتمر سلام دولي واستكمال المفاوضات على أساسها بما يحقق تطبيق قرارات الشرعية الدولية لما كانت الأوضاع متفجرة على النحو القائم اليوم ,فالتخلي عن كل هذه التوجهات واحتلال العراق من قبل واشنطن بوش هو السبب في مظاهر هذا الغضب الشامل على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وهو السبب في كره العرب كشعوب للإدارة الأمريكية . إذا المسؤول عن ازدياد التوتر هو السياسة الأمريكية التي تنطلق من مصالحها ووفق الرؤية الإسرائيلية القائمة على قهر الشعب الفلسطيني والاستمرار في الاحتلال والاستيطان في الضفة والجولان. إن غياب السلام العادل والشامل يستحضر الحرب والعنف ومقاومة الخاضعين للاحتلال بوصفه حقا مقدسا ومشروعا لهم, وبنفس السوية فإن غياب الدور العربي المؤثر والفعال المدافع عن الحقوق العربية يستحضر بدوره النفوذ الأجنبي الغربي وخاصة الأمريكي الاستعماري إلى داخل المنطقة ,وغياب الوفاق الوطني الداخلي يشجع أمريكا وغيرها على التدخل وتحويل الأوطان إلى ساحات للصراع الداخلي.
|