وأهمها أن الآخر يدرك تماماً تاريخ هذه البلاد، ويثق بالعلوم والفنون والفلسفات التي زخرت بها أيامنا الخالية. ولذلك فإن قيمة هذه المخطوطات ليس فقط لأنها قديمة قبل ما يزيد عن ألف سنة، وإنما لقيمتها العلمية والثقافية. وليس غريباً أن تعترف الجامعات العريقة في الغرب بأنها استندت إلى مؤلفات ابن خلدون وابن سينا وابن رشد وآخرين، لكي تقيم عمارتها العلمية.
المخطوط هو عبارة عن كتاب مكتوب بخط اليد، أي أنه كتب قبل دخول الطباعة إلى العالم، أو بعده بقليل. ولذلك فإن قيمة المخطوطة هنا، تأتي من دقتها وعدم العبث بها أو تهذيبها بعد طباعتها، فهي في حالتها هذه مازالت بخط يد صاحبها ولم تعدل أو يدخل إليها خط ما مقصود أو غير مقصود.
وضع العرب مصنفاتهم الهائلة والمهمة في عصور مختلفة، وهي في غالبيتها كانت نصوص فريدة في العلوم والفنون والتاريخ والفلسفة. ومع تردي الواقع العربي ودخول المحتل المتعدد إلى بلادنا، تمت سرقة الكثير من المخطوطات، وتوزعت في أنحاء العالم، وأصبح من الصعب جداً استعادتها أو الاطلاع عليها أحياناً.
إن ما تتم طباعته من كتب مخطوطة لا يشكل سوى نسبة مئوية هزيلة مما هو موجود في متاحف العالم، وهذا شيء محزن. وأما المخطوطات التي يكون حظها (وحظنا) جيداً وتتم طباعتها، فإنها تتكرر في طبعات وتحقيقات كثيرة، وأحياناً تلاقي خللاً، أو نقصاً.
يقدر عدد المخطوطات العربية الموزعة في متاحف ومكتبات العالم بثلاثة ملايين مخطوط. ولا يمكن أن يقال إن إحداها أهم من الأخرى، فكلها تحكي تاريخنا ونمط تفكيرنا في زمن ما. فمثلاً تقدر عدد المخطوطات الموجودة في المكتبات العامة والخاصة في ألمانيا، بحوالي أربعين ألف مخطوط، وهو رقم كبير جداً، مع أن ألمانيا لا تملك عدداً كبيراً من المخطوطات أسوة بغيرها من الدول الأوروبية.
المخطوطات هي ذاكرة الأمة، أية أمة، ولذلك يجب إعادتها إلى أصحابها الأصليين، لأنها تعتبر إرثاً مسروقاً، وهي حق طبيعي للأحفاد. إلا أن منظمة اليونيسكو، مع أنها ترفع شعار الدفاع عن الإرث الثقافي في العالم، أقرت عام 1972، بأن المخطوطات العربية، ملك للمكتبات الغربية، وهي بهذا أغلقت الباب أمام المطالبة بهذا الإرث العظيم.
إن المخطوط هو اكتشاف للمجهول، أي أنه سيساعد الباحثين العرب على رؤية الحقيقة التاريخية التي استند إليها العقل العربي، وكيف كانت رؤيته للعالم، وسيعرف الباحث أيضاً قدرة هذا العقل الجبار في الوصول إلى المكتشفات العلمية وابتكار الفلسفات الخاصة.
وإن إخفاء المخطوطات في المتاحف الغربية وعدم نشرها، أو إرجاعها لأصحابها، هي تزوير للتاريخ وتزييف للحقائق التي يطلقها الغرب على عالمنا العربي، وبالتالي فهي سرقة لمنتوج عقلي عظيم.
استفاد المستشرقون الغربيون من مخطوطاتنا، وأشادوا عمارة فكرية، فيما بقي العرب ينتظرون أن يتم الإفراج عما هو موجود في مكتبات الغرب، عبر التحقيق أو الدراسة، ولا يملكون من أمرهم شيئاً، لأن القوانين الدولية لم تأت في صالحهم، وإنما لحرمانهم من تراثهم، الذي ساعد الأكاديميات الغربية على النهوض بعد عصور من الظلام.