لدى موافقة حكومة ديفيد بن غوريون على خطة التقسيم التي اقترحتها الأمم المتحدة, الداعية فيها إلى إقامة دولتين لشعبين , وآنذاك قلنا نعم والآن نقولها أيضاً « وكانت لجنة بيل , التي انشأتها حكومة بريطانيا في عام 1937 قد أوصت بتقسيم الجزء الغربي من أرض فلسطين لدولتين يهودية وعربية وبتخصيص ثلث المساحة لليهود.
وجاء ذلك في أعقاب التقسيم الأول في عام 1921 حينما أكد ونستون تشرشل , الذي كان يشغل حينها وزير المستعمرات البريطانية للملك الأردني عبد الله أن منطقة شرقي الأردن - وتشكل 78% من مساحة الأرض المنتدبة عليها بريطانيا من قبل عصبة الأمم المتحدة لن يشملها وعد بلفور , والتي تعني الآن المملكة الأردنية . وأثار اقتراح لجنة بيل الذي رفضه العرب جدلاً واسعاً لدى الحركة الصهيونية, حيث أيد ديفيد بن غوريون خطة التقسيم , بينما رفضها زائيف جلبوتنسكي وقال باللغة اليهودية « لن يحلق هذا ولن يطير » .
أي بمعنى لن يترتب عليه أي شيء ولن يتحقق . وفي مطلع هذا الشهر وصل إلى بلاد ما وراء الأطلسي وفد الجامعة العربية كي يستجدي السلام . وهذه المرة يستجديها لدى الأميركي . وهذه الجامعة التي تقترح من جديد إقامة علاقات سلام بين العرب وإسرائيل , مقابل الانسحاب إلى حدود عام 1967 هي نفسها الجامعة التي هتفت مع أحمد الشقيري بتدمير إسرائيل , نفسها الجامعة التي لوحت بلاءاتها الثلاث خلال قمة الخرطوم في أعقاب حرب عام 1967 . ومن صار يلوح بأصبعه الوسطى باللاءات منذ ذلك التاريخ وحتى الآن هو نحن وليس هم . وتضمن الاستجداء العربي لدى واشنطن تنازلاً آخراً .
حيث لم تعد حدود عام 1967 بعد اليوم حدوداً مقدسة , لا يمكن الاقتراب منها . لأنه وعلى حد قولهم باتوا يدركون التغييرات التي طرأت على الأرض, وبالتالي هم جاهزون للموافقة على التعديلات . وبالمقابل تقول لهم إسرائيل : نحن سندخل في مفاوضات دون شروط مسبقة . غير أنه وفي ردنا هذا لا ننتبه إلى أن الشرط المسبق الآن هو في صالحنا . نظراً لأنه وحتى قبل أن تبدأ المفاوضات رأينا أن الطرف الآخر بذاته يتنازل لنا , في وقت لا ينتظر منا أن نعرض مقترح ابقاء الكتل الاستيطانية على حالها (حيث من أجلها ستجري التعديلات) بل يوافق عليها مسبقاً. وسؤالنا ماذا نريد نحن بعد ذلك ؟ نريد أن يتركونا في سبيلنا , ولايعكروا صفونا بالسلام وما أدراك ما السلام .
لأن ليس لنا مصلحة فيه. السلام ليس ضرورياً لنا البتة , ولاعلاقة له بسيرورة حياتنا . الجميع في الأعلى منشغلون الآن بترتيب أمورهم وتمكين مكاسبهم وتسجيل النقاط الواحد منهم على الآخر . لا نملك الزعيم للرد على بضعة أفراد من العرب اليائسين , وهم يمدون يدهم متسولين . وفي حال واصلوا ازعاجنا سوف نطرح عليهم السؤال التعجيزي: « وماذا عن حق العودة؟ » ربما نسوا , وينقصهم أن ينسوا لا سمح الله ! انتزاع هذا السلاح من أيدينا . وأريد أن أسأل هنا: اين باقي أعضاء حكومة إسرائيل , والتي تبدو وكأنها لا تضم سوى بنيامين نتنياهو ؟ أين هؤلاء الذين لا أود ذكر أسمائهم من شدة خيبة أملي فيهم.
وأسأل أيضاً : أين السياسة الجديدة التي وعدونا فيها ؟ هل اقتصرت سياستهم على الاهتمام بالأصوليين , أو في بعض الأمور الحياتية الضئيلة ؟ أين تلك القوى المنبعثة , هل لازالت مشغولة بتعديل وضعها على كرسي الوزارة؟ قد يعتبروني بعيداً عن الواقع , ولكن أشدد على أن هذا الاقتراح الذي تقدم به هذا الوفد العربي جدير بأن يحظى ليس فقط بالحماسة ولكن أيضاً بالرد الايجابي . بل ينبغي أن تخرج الجماهير إلى الشارع , أليس كذلك ؟ وهل يوجد لتلك الجماهير التي خرجت ذات مرة من أجل السلام مستقبل آخر غير مستقبلي ؟ ويبدو أن هذا هو الجواب الأنسب , الذي يقول أن لديهم مستقبلاً آخر تماماً .
والمشكلة أننا مضطرون للقول مراراً وتكراراً أنه في حال لم نصل إلى السلام , حتما سنصل إلى الحرب. وجبهة الرفض الإسرائيلية لن تختلف في النتائج التي ستجنيها عن النتائج التي جنتها جبهة الرفض العربية في الماضي. وربما هذا ما نريد أن نصل إليه : يوم غفران آخر.
ربما الحروب تناسبنا وتريحنا أكثر من السلام. وربما نؤمن بالحرب أكثر مما نؤمن بالسلام , ربما نرى في ميدان الحرب ميزات ومكاسب أكثر . وفي كل الأحوال إذا كان هذا هو مستوى تفكير خريجي وحدة الأركان الخاصة المسؤولين عن أمننا, ماذا عن تفكير خريجي محانيه ؟