الأزمة الاقتصادية العالمية تغير قواعد اللعبة
اقتصاد عربي دولي الأحد 12-5-2013 بقلم د. قحطان السيوفي من المعلوم أن القوانين والقواعد والمفاهيم التي تنظم الحياة البشرية بجوانبها المتعددة ليست لها عادة صفة الثبات المطلق ...
في الزمان والمكان والبيئة لذا يصار الى مراجعة هذه القوانين والقواعد بين حين وآخر. في الأزمات والأحداث القاهرة يلاحظ أن الكثير من المسلمات والبديهيات تصبح عمليا مثارا للنقاش والجدل وهذا يأتي في اطار حالة انسانية عادية وكلما اشتدت حدة الأحداث والأزمة تزداد الشكوك لدى الناس بالكثير مما لديهم من مفاهيم وقوانين . يقول الناس في مجتمعاتنا (اشتدي أزمة تنفرجي ) ولكن في المجتمعات الغربية الرأسمالية خاصة يصار الى اعتماد التجريب القائم على النظريات العلمية تتغير العبارة لتصبح ( اشتدي أزمة تنفجري ) . الاقتصادات الغربيةاليوم غارقة في أزمة خانقة بدأت في خريف 2008 وتفاعلت الأزمات في دول الجنوب الأوروبي : قبرص ,اليونان البرتغال اسبانيا لتهدد بتجدد وتفاقم أزمات الاقتصادات الغربية الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية وصولا الى بريطانيا وفرنسا ...الواقع أثبت أن السياسات الاقتصادية المطبقة في الاقتصادات المتدهورة والتي تعتمد الضغط الشديد للانفاق وتقليص عجز الموازنات لم تؤد الى أي نتائج ايجابية على العكس أدت الى المزيد من تعقيد الاوضاع الاقتصادية الصعبة وزيادة البطالة الى معدلات قياسية غير مسبوقة . لذا بدأ السياسيون وعلماء الاقتصاد اعادة النظر بالكثير من برامج وخطط العمل التي أدت الى نتائج بائسة ...استاذ الاقتصاد المعروفين في جامعة هارفارد (كارمن ربنهارت وكينيث وركوف) حذرا من خطورة تنامي المديونية العامة اذا قاربت نسبة(90%) من الناتج القومي الاجمالي ويؤكدان أن (مديونبة بهذا الحجم تجعل من النمو الذي يؤدي لزيادة التشغيل أمرا شبه مستحيل ) وينصح عالما الاقتصاد (بضغط الانفاق الحكومي حتى لو شمل المعونات الاجتماعية...) وفي رأيهما أن التقشف هو الدواء الشافي لخروج الدول الغربية المأزومة اقتصاديا وخاصة في أوروبا من أزماتها الحالية .. آخر دراسة أعدت في جامعة (ماساشوستس)الأمريكية توضح أن سياسة تقليص الانفاق العام ليست مجدية لانقاذ الاقتصادات المنكوبة ...وتبين الدراسة أن زيادة الانفاق الحكومي حتى ولو تسببت في رفع كبير للمديونية العامة فانها عمليا تؤدي لزيادة السيولة وبالتالي فان ذلك –حسب الدراسة- هو السبيل الصحيح لانعاش الاقتصاد واخراجه من الانكماش والعودة به الى طريق النمو مجددا ...(بول كروكمان) أشهر عالم اقتصاد أمريكي حاصل على جائزة نوبل كتب في صحيفة(نيويورك تايمز) مقالا مميزا دعا فيه الى زيادة الانفاق الحكومي في الولايات المتحدة التي تعصف بها الأزمة الاقتصادية وفي رأي كروكمان يجب عدم القلق من زيادة حجم الدين العام الأمريكي و أنه رغم الدين العام الأمريكي الهائل والحجم الكبير للعملة الأمريكية التي تم طبعها بدون غطاء ...فان سعر الفائدة بقي منخفضا جدا وكذلك نسبة التضخم ...ويضيف (كروكمان) أن الولايات المتحدة وضع استثنائي – لم نشهد له مثيلا – لذلك يتطلب اجراءات استثنائية وان بدت تعارض المسلمات الاقتصادية. الملاحظ أنه وبعد خمس سنوات على الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008 لايزال هم الكثيرين في الأنظمة الرأسمالية توجيه اللوم لمن كان وراءها أكثر من العمل الجدي على حلها ...رغم كل ما يتعرض له الاقتصاد الرأسمالي العالمي من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية يلاحظ أن أيا من العلماء والمفكرين والباحثين لم يعزوا ما حدث الى أن العالم تغير بدرجة كبيرة ...كما لم يشيروا الى أن الغرب الرأسمالي لايمكن أن يستمر في العيش كما كان ..ولايمكنه الاستمرار في التمتع بنمط الرفاهية والرخاء كما كان ...المشهد العالمي يشير الى أن قواعد اللعبة قد تغيرت في النظام الرأسمالي العالمي وظهرت قوى جديدة فاعلة ...ومنافسة شديدة تمارسها هذه القوى ...بالاضافة لمحدودية الموارد ... وبالتالي فان الأزمة الاقتصادية العالمية ترافقت مع ظهور قطب عالمي جديد(روسيا والصين واخواتهما...) لن يسمح مستقبلا للولايات المتحدة وشركائها بالانفراد بقيادة العالم اقتصاديا وسياسيا كما كان يتم قبل تغير قواعد اللعبة.
|