تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معايير جمالية

ملحق ثقافي
2018/9/4
إن التراكم الفني، جعل المتلقي يميز بين الفن الجميل والفن القبيح. وإن الناقد كذلك عمل على وضع مجموعة من الأسس الشخصية لتمييز الفن الجميل.

ولكن ما الذي يجعلنا نقول إن هذا هو فن جميل، وذاك قبيح، ولا يمت للفن بصلة؟ وهل تبقى المقاييس الجمالية ثابتة عبر العصور، أم أن لكل زمن من الأزمان مقاييسه ومعاييره؟‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

يقيم الناقد مجموعة من القراءات لعدد من النصوص، ويجري بينها مقارنة، ويتوصل إلى نقاط التقارب والتباعد بينها. ويرى أن لكل نص من النصوص جماليته الخاصة، وهنا يجد نفسه مضطراً إلى أن يعترف بأن لكل نص خاصية له وحده تجعله جميلاً. وهذا كله طبعاً إذا كان الناقد قارئاً ممتازاً وحيادياً تجاه النصوص. أما إذا كان الناقد يخضع لمجموعة من المعايير الجمالية التقليدية، فإنه سيرمي أشعار رامبو جانباً، ولن يجد فيها أي جمال، لأنها لا توافق المعايير التي يسير عليها.‏‏

هناك من يقول أن الناقد لا ينطلق من أحكامه من فراغ، بل من خلال القراءة المستمرة للنصوص المنتجة، التي تفتح أمامه آفاقاً جديدة، وتطلعه على مختلف التيارات والمدارس، وهو بهذا تصبح لديه قوانين نقدية للحكم على النصوص.‏‏

إن الشعور الذي يتولد عند الناقد تجاه العمل الفني هو القيمة الأولى للحكم، وليست المعايير النقدية السالفة. وهذا الشعور هو حالة فردية خاصة بالناقد، ولا يشترك فيها مع أي أحد في العالم، ولا حتى بأولئك الذين يجهدون لوضع النصوص موضع النقد على الدوام. وهذه الحالة الفردية تميز ناقداً عن آخر، وتدفعه إلى أن يشيد عمارته النقدية الخاصة، إذا تجرأ على ذلك.‏‏

تفرض النصوص الكبيرة (وبينها اللوحات الفنية) غالباً نفسها كمنتجات فنية مهيمنة على النقاد، ويجد الناقد نفسه مكبلاً أمام أي رأي جديد يطرحه في تقييمها. إنها نصوص وضعت في مكان لا يمس، وصار أي نقد يوجه إليها نوعاً من الإشادة بها وتوثينها. فتخيلوا مثلاً أن أحد النقاد لم تعجبه الموناليزا، وقام بنقدها ضمن مقاييس عصرها. ما الذي سيحدث؟ بالتأكيد سيضاف هذا النقد إلى مجموع ما كتب عن هذه اللوحة، وسيتضخم ثمنها أكثر، وسيجد مالكها فرصة جديدة لإثارة موضوعها، أو لإبقائها في الواجهة.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

يتلقى شكسبير كماً هائلاً من الدراسات النقدية، وبعضها من كتاب كبار ومبدعين من أمثال ت. إس. إليوت؛ ولكن شكسبير، كهامة عملاقة في تاريخ الشعر العالمي، لم تتأثر، بل زادت ارتفاعاً وتألقاً، وكذلك فقد تفاقمت الدراسات حول أعماله. وكل ما قيل عن أعمال شكسبير، وخصوصاً هاملت، لم تقلل من شأن إبداعه وعبقريته.‏‏

وإذا عدنا في الزمن إلى الوراء فسنجد أن شكسبير وسيرفانتس وكذلك رامبو وفان كوخ، لاقوا إهمالاً في أيامهم، إلا أنهم أصبحوا في أزمان لاحقة وإلى اليوم أشهر من أن يعرفوا. وهذا يدل على أن المعايير الجمالية في ذلك الزمن، كانت تختلف عن معاييرنا الجمالية، وربما لأن حيادية الأجيال اللاحقة هي السبب في التقييم الجمالي.‏‏

إذاً، هل يمكن الحكم الجمالي على عمل ما مرة واحدة وإلى الأبد؟ وما هي المعايير التي يسير النقاد على أساسها؟‏‏

إن كل الحركات الفنية الجديدة على عصرها، لم توفق بداية في ترويج مشروعها، ولكنها فيما بعد أصبحت مدارس ولها تابعون.‏‏

وفي كل الأحوال، إننا نجد أن المعايير الجمالية تتغير وفقاً لتغير الحالات الفنية والإبداعية، أي أن النقد يتبع التطور الفني وليس العكس. وهذا ما لا يرغب فيه كثيرون، وبذلك فهم – ومن خلال وضعهم لمقاييس جمالية – يؤخرون الفنان – فقط يؤخرونه – ولكنهم لا يمكنهم أن يلغوا إبداعه. وفي هذه الحالة، يكون النقد الفني عائقاً في وجه الإبداع، ومن ثم وبعد جيل أو اثنين يأتي جيل من النقاد، ويعترفوا بعبقرية التجربة التي اضطهدت، ويعتبرونها تطوراً في التاريخ الفني للبشرية.‏‏

على الناقد الفني ألا يتمترس خلف معايير ثابتة، وإلا لن يكون ناقداً بالمعنى الإبداعي، لأنه لا يسمح لتجارب جديدة بأن تأخذ حقها في الوجود. والأفكار الثابتة – كما يقول شاتوبريان – هي كتشنج عضلة القدم، أفضل وسيلة لمعالجتها هي السير عليها.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية