تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رسول حمزاتوف: أنا إنسان الهضاب

ملحق ثقافي
2018/9/4
اعداد:رشا سلوم

تقترب ذكرى ولادة الشاعر العالمي رسول حمزاتوف من إتمام المائة الأولى، ومازال إرثه الشعري خالداً بهياً نضراً،

يترجم إلى لغات العالم كله، رسول حمزاتوف الشاعر الذي عشقنا الأرض والجبال من خلال رائعته (داغستان بلدي) سيبقى العلامة الفارقة والدالة على أن المبدع ليس من يقفز خارج أرضه ووطنه، بل هو من يخرج من حواريه، أزقة وطنه ليكون بكل بقعة عالمية، لأنه ابن الأرض والإنسانية، وهذا ما ميز رسول حمزاتوف الشاعر الداغستاني الذي كرس إبداعه لقضية الإنسان، أي إنسان ولكنه في البداية ابن أرضه ووطنه، ليصل إلى الحالة التي هي الآن في كل مكان، وليترسخ اسمه شاعراً رائداً وعالمياً.‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ومع ذكرى ميلاده الخامس والتسعين، احتفلت المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والأوساط الأدبية بهذه الذكرى، من خلال الحديث عن محطات في حياته، واستعادة الكثير من أقواله.‏

ولد رسول حمزاتوف في 8 أيلول العام 1923 في قرية تسادا الآفارية في شمال شرق القوقاز. وكان والده جمزات تساداسا شاعراً مشهوراً ورث التقليد القديم للغناء على أنغام القيثار الذي مازال قائماً في الجبال.‏

وكان ينظر إلى الشعراء باحترام وتقدير عظيم. فعندما كان محمود، الشاعر الشهير للجيل السابق يغني في ساحة السوق المزدحمة وينقر أوتار كمانه للدور المصاحب، كان الصغار والكبار يستمعون بلهفة في سكوت تام حتى أن طنين النحلة يمكن سماعه. يقول عنه موقع الوسط:‏

أوائل العشرينات من القرن الماضي عندما كان يأتي المحاضرون السوفييت الأوائل إلى القرية كانت النساء يجلسن وظهورهن إلى المتحدث الذي كان يفترض ألا يرى وجوههن. ولكن عندما كان الشاعر يتبع المحاضر بأغانيه كانت النساء تواجهه من قبل الاحترام لفنه وكان يسمح لهن حتى بإزالة الحجاب. وكان رسول (ذلك الشاب الذي لا يطيق أي نوع من المقاطعة) يستمع لساعات متواصلة لقصص وأساطير وحكايات الآفاريين التي كان يرويها والده.‏

ويتذكر رسول بعض الأشياء عن والده قائلاً: عندما كنت صغيراً كان والدي يلفني في معطفه الفضفاض المصنوع من جلد الغنم وينشد قصائده لي، لذلك فقد حفظت هذه القصائد عن ظهر قلب قبل أن أركب الحصان أو ألبس حزاماً.‏

وكان رسول يشاهد من النافذة الصغيرة في منزل والده المبني من الحجر الصلب رقعة خضراء أسفل القرية ومن فوقها الصخور الناتئة. وكانت حافة الجبال تشبه ظهر الجمل المتقوّس. وكصبي كان رسول يُسيم حصان جاره ليرعى لمدة ثلاثة أيام مقابل رواية قصة مكافأة له. وكان يتسلق الجبال نصف يوم للانضمام إلى الرعاة في الجبال ويمشي نصف يوم في رحلة العودة كي يسمع قصيدة واحدة فقط.‏

وعندما كان في الصف الثاني في المدرسة سار مسافة اثني عشر ميلاً لمقابلة رجل عجوز صديق لوالده كان يعرف الكثير من الأغاني والقصائد والقصص الخيالية. وقد غنّى ذلك العجوز وأنشد قصائد لهذا الصبي الصغير لمدة أربعة أيام من الصباح حتى الليل. وكتب رسول بقدر ما استطاع وعاد إلى المنزل مسرورا بحقيبة مليئة بالقصائد الشعرية.‏

وكان في الحادية عشرة عندما كتب أول أشعاره وهو يرقد على جلد ثور في شرفة منزله. وكانت القصيدة تروي قصة الصبية من أهل المكان الذين هرولوا إلى الأرض المقطوعة الشجر إذ هبطت هناك طائرة لأول مرة العام 1934.‏

كان والده أول من علمه فن الشعر. ويقول رسول مستذكراً «بالنسبة إلى قصائدي الأولى ستجد جمرة متوهجة على الأقل إذا قمت بنبش الرماد».‏

أما كتابه الأول للقصائد فكان بعنوان «الحب الملهم والغضب المتقد». وكان يشعر بالابتهاج عندما ترسل إليه الفتيات في الجبال اللاتي قرأن هذه القصائد رسائل إعجاب. ولا يستطيع رسول حتى الآن أن ينسى الألم الذي ينتابه عندما يشاهد راعياً في الشتاء يستخدم صفحة من قصائده ليلف سيجارة (كان هذا الأمر العام 1943).‏

وفي العام 1945 وصل رسول إلى موسكو للالتحاق بمعهد غوركي للأدب ومعه القليل من كتبه باللغة الآفارية ومبلغاً زهيداً من المال. ودرس هناك اللغة الروسية والأدب العالمي وفن الشعر مع مجموعة من الشعراء الشباب تحت إشراف كتاب متمرسين. وقد وقع بالتناوب في حب سبع فتيات ولكن حبه الثابت تركز في اثنتين فقط هما بوشكين وليرمنتوف.‏

وظل رسول طيلة الخمسين عاماً الماضية من أكثر الشعراء السوفييت الخصيبي الإنتاج إذ كتب قصائد غنائية غزلية وقصائد قصصية طويلة وأغاني شعبية وقصائد قصيرة مختتمة بأفكار بارعة أو ساخرة وثُمانيات (مقطوعات شعرية ذات ثمانية أبيات) فلسفية نالت إعجاب الملايين من القراء.‏

ويعيش رسول الآن مع بناته الثلاث الفاتنات (زريما، باتمات، وساليكات) في مختشكالا، عاصمة داغستان على شواطئ بحر قزوين. وبيت رسول مفتوح لجميع الناس، ويُري أصدقاءه بكل فخر المجموعة التي يمتلكها من السيوف الرائعة وملابس ركوب الخيل والقرون التي يصب فيها الخمر والأواني الفخارية التي تشتهر بها داغستان. وفي كتاب النثر الحديث الذي كتبه عن تأملاته وذكرياته بعنوان «بلدي داغستان» يرسم صورة إنسانية رائعة صادقة عن الأرض التي ولد عليها وعن شعبها وشعرائها.‏

ويعتبر رسول الفائز بجائزة لينين للشعر والذي كرّم بإعطائه لقب شاعر الشعب في داغستان شخصية جماهيرية معروفة وهو رئيس اتحاد الكتاب في داغستان.‏

وقد سافر كثيراً إلى أوروبا وآسيا وأميركا. ويكتب رسول بلغته الأصلية الآفارية التي يتحدث بها ما لا يزيد عن 500،000 شخص. ومع ذلك فإن الآفاريين والدارغنيين واللزغنيين والكمكيين من بين أكبر المجموعات العرقية في داغستان التي يصل تعداد سكانها إلى مليوني نسمة ويتحدث فيها السكان ستة وثلاثين لغة مختلفة. وطبقاً للأسطورة القديمة فإن الفارس الذي ركب الجواد عبر العالم وهو يوزع لغات قام بإلقاء ملء كيس في الممرات الضيّقة في الجبال وقال للناس «صنفوا هذه الكلمات بأنفسكم» لذلك فإن مشكلة الترجمة تعتبر من العوائق المألوفة في داغستان إذ تكتب الكتب وتنشر بتسع لغات مختلفة.‏

كان حمزاتوف شاعر البشرية. ومع أنه كان يعتبر وطنه بمثابة والده ووالدته، إلا أن شعره كان يعكس مشاعر وآمال البشرية. إن شعره يتسم بالرومانتيكية القومية مع النبرة الغنائية الحماسية ذات السمة القوقازية المميزة. إن الأرض عزيزة بالنسبة إلى شعبنا إذ إن ثلث الأرض عبارة عن تربة خصبة حملتها الأجيال السابقة على أكتافها من الأودية إلى الجبال، لذلك فإنهم يستطيعون زراعة جميع انواع البذور. بإمكاننا زراعة القمح وكروم العنب للوصول إلى القمة. إن الأرض هي ثروتنا وسر سعادتنا.‏

وهنا يكمن سر الحب بين سكان داغستان. ان أرضهم تمثل الدفء والمسكن الجيد بالنسبة لهم ولكنها وعرة بالنسبة إلى الآخرين.‏

من قصائده‏

«دود القز»:‏

«انها تطير وتدعونا لنسيان احزاننا،‏

عندما ننظر إلى السماء،‏

إن رحيلي قريب،‏

سأطير مع دود القز إلى السماء الزرقاء وراء الأفق،‏

إنني حزين للغاية،‏

وإن رحيلي قريب،‏

سأطير مع دود القز إلى السماء الزرقاء وراء الأفق،‏

إنني حزين للغاية،‏

سأناديكم بأسمائكم، ايها الناس الذين مازلتم تعيشون على الأرض».‏

صديقنا العزيز حمزاتوف...‏

في هذا العالم الحزين - البارد كالموت - لا توجد حضارة من دون شعر، لأن الشعر يروي الحقيقة. أن نعيش بالأمل وباسم الحب الذي يولد مع الحقيقة حلم بك بانبهار.‏

كلما نقر المطر النافذة‏

وجثا ثلج على التل‏

وعندما تكون السماوات لدى الفجر بلا غيوم‏

وتزدهي بحنطة الصيف الحقول‏

أحلم بك بانبهار‏

حينما يغط السنونو ويثب‏

وإذ نلتقي ونفترق‏

وعندما لا تمنحني الهدوء‏

الاوراق التي تطير وتدور‏

وهي متوهجة بندى العسل‏

يقيناً انك افضل من عرفتهم‏

إذ إنني‏

طوال الليل والنهار‏

أحلم بك بانبهار‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية