إحدى الركائز الأساسية في محور أو خط مواجهة الأطماع الاستعمارية وسياسة الهيمنة التي تنتهجها واشنطن، اتجهت الأخيرة لتجريب ورقة جديدة العقوبات الاقتصادية الشديدة، التي تستهدف ببعدها العدواني أكثر ما تستهدف حياة ومعيشة ورخاء الشعب الإيراني، تماماً كما هو حال العقوبات أو الإجراءات القسرية الأحادية الجانب المستخدمة ضد الشعب السوري الصامد في مواجه الإرهاب المدعوم أميركياً.
ففي تطور عدواني أميركي جديد أدرجت وزارة الخزانة الأميركية أربع شركات بتروكيماوية وبترولية دولية، قامت بنقل ما يعادل قيمته مئات ملايين الدولارات من الصادرات من شركة النفط الإيرانية الوطنية ( NIOC)، بحجة أن إيرادات هذه الشركة من الدولارات تساعد على تمويل الحرس الثوري الإيراني، وما يسمى أنشطته العسكرية، التي تصنفها واشنطن بشكل انتقائي وغير قانوني على لوائح خاصة بالإرهاب.
واشنطن لم تخف هدفها الدنيء من هذه العقوبات ــ وإن حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب دحضه وادّعاء الحرص على مصالح الشعب الإيراني ــ وهو الضغط على الحكومة الإيرانية اقتصادياً ومالياً بهدف تأليب الشارع الإيراني ضدها تمهيداً لإسقاطها في حمى الفوضى الأميركية التي تستهدف المنطقة ودولها وشعوبها.
تعلم إدارة ترامب جيداً أن الحكومة الإيرانية تستخدم معظم إيرادات النفط في المشاريع التنموية المخصصة للنهوض بالمجتمع والشعب الإيراني عبر تأمين مستلزماته الضرورية، ولذلك فإن أي نقص في السيولة النقدية ــ القطع الأجنبي ــ سيؤثر بالضرورة في قدرة إيران على تأمين هذه المستلزمات، ويخلق أزمات إضافية كما يجري اليوم في الواقع الصحي والمستشفيات، ما يعني أن ما تقترفه واشنطن هو عقاب متعمد للشعب الإيراني الذي أظهر التفافاً منقطع النظير حول قيادته وحكومته على السواء، بعد استشهاد الجنرال قاسم سليماني.
غير أن ما تجهله واشنطن ــ أو ربما تتجاهله ــ هو قدرة الشعب الإيراني على تجاوز الصعوبات والمحن، ففي ثمانينات القرن الماضي تعرضت إيران لحرب قاسية ظالمة وحصار اقتصادي لم يكن أخف منها، ولكنه لم ينحنِ أو يتخلى عن مبادئ ثورته، ومن يزر إيران اليوم فسيفاجأ بما حققته هذه الجمهورية من رخاء وازدهار لشعبها في أوج سنوات الحرب والحصار، ما يضع الإجراءات الأميركية في خانة "تجريب المجرّب" العديمة الفائدة.