ووجد الباحثون بعد مقابلة أمهات ومعلمات 160طفلاً في برامج التأهيل أن 65في المائة من الأطفال تعرضوا للعنف في المجتمع, بينما تعرّض 47في المائة منهم للعنف داخل الأسرة, مشيرين إلى أن معظم الأطفال الذين شهدوا حدثاً عنيفاً واحداً على الأقل أصيبوا بأعراض الصدمة كتبليل السرير أثناء النوم, ومص الإبهام, وازداد خطر إصابة 20في المائة منهم باضطراب التوتر بعد الصدمة ومشكلات نفسية صعبة..
هذا ومن جانب آخر فقد أثبتت الأبحاث العلمية أن التوبيخ بالكلام لايقل ضررا عن العقاب بالضرب لأنه يحدث الآثار الضارة نفسها التي يحدثها الضرب في نفسية الطفل.
فقد يلجأ كثير من الآباء والأمهات إلى عقاب أطفالهم عند الخطأ بالتوبيخ أو بالكلمات الجارحة اعتقاداً منهم أن هذا الأسلوب أفضل من الضرب بالنسبة لنفسية الطفل.
وقد وجد من خلال دراسة أن احترام الذات يتضرر كثيراً عند التعرض للعقاب بوسيلة أو بأخرى لأننا عندما نعاقب الأطفال فإننا نعطيهم الإحساس بأنهم لاقيمة لهم..
إن علم التربية الحديث يسمي عقاب الطفل البدني بالضرب أو القرص أو اللكم أو عقابه النفسي بالألفاظ القاسية, كل هذا يسميه علم التربية الحديث إيذاء للطفل وتحطيماً لقدراته.. كل هذا يصيب الطفل بالإحباط وفقد الثقة بالنفس ويجعله غير راغب في التعاون ولا في تحمل المسؤلية بل يجعله عدوانياً قلقاً سريع الانفعال.
فالطفل إذا استخدمنا معه أساليب الإيذاء البدني والنفسي سيشعر بأن كل ما يقوم به لايرضى عنه الكبار المحيطون به, ولما كان الطفل يهتم جدا بالفوز برضاء الكبار, فإنه سيمتنع عن كثير من الأشياء اللازمة لنموه العقلي والنفسي والبدني نتيجة أسلوب الكف أو المنع الذي يلجأ إليه الكبار في تعاملهم مع الأطفال.
إن التنشئة الاجتماعية للأطفال تتوقف إلى حد كبير على أساليب الدعم والتشجيع أو الكف والمنع التي يمارسها الكبار مع الصغار, فسلوك الطفل الذي يجد تشجيعاً وترحيباً وتدعيماً من الكبار سيكرره الطفل ويعتاد عليه.. أما سلوك الطفل الذي تقابله بالاستنكار أو الإهمال أو العقاب فسيكف عنه..
لذلك إذا واجهنا سلوك الاستطلاع أو التساؤل بالتشجيع والدعم سيستمر فيه الطفل ويترتب على ذلك نمو معارفه وخبراته..
أما إذا واجهنا سلوك الطفل للاستطلاع أو التساؤل بالإهمال أو السخرية, فإن الطفل سيكف عن التساؤل والاستطلاع, ومعنى هذا يتوقف عقله عن العمل ومن ثم يتوقف الذكاء والقدرات العقلية عن النمو.
أما بالنسبة لاستخدام أسلوب العنف والضرب مع الأطفال يعتقد العديد من الآباء أنهم إذا ربوا أولادهم بالضرب فإنهم سيحصلون على أطفال مؤدبين يخافون الخطأ و نتائجه فيحسنون عندها التصرف, غير أن هذا الاعتقاد ثبت خطأه إذ يؤدي ضرب الأطفال من قبل آبائهم إلى تغيير غير سار في شخصياتهم فينشؤون معقدين ومشاكلهم النفسية أصعب من أن تحل بسهولة, خاصة وأن الانسان غالباً ما يتأثر بطفولته ويبقى محتفظاً بآثارها السلبية على شخصيته.
والحقيقة أنه ليس هناك أمر أصعب على الطفل من أن يصفع على وجهه من قبل أي إنسان ولكن لو كان هذا الشخص هو والده أو والدته فإن المشكلة أكبر وأعقد وذلك لأن الطفل عندها سيوجه مشاعر العداء لهما, حتى وإن نسي بعدها, إلا أن الحالة التي مر بها والخوف المصاحب سيكون لهما دورهما في شخصيته.
وقد حذر العلماء في المركز الوطني للأطفال الفقراء بجامعة كولومبيا الأمريكية من أن صفع الأطفال قد يسبب آثاراً مؤذية طويلة الأجل على سلوكياتهم ولا تساعدهم على تربيتهم وتحقيق الطاعة المطلوبة منهم لآبائهم.
ربطت الدكتورة اليزابيث جيرشوف, إختصاصية العلوم النفسية بالمركز, الصفع بمشكلات سلوكية سلبية تصيب الأطفال مثل العدوانية والسلوك غير الاجتماعي والانطوائي واضطرابات نفسية عديدة.
وقالت إن الصفع غير فعّال أبداً في تقويم سلوك الطفل وتربيته ولا يساعد في تعليمه الصحيح من الخطأ, كما أن له دوراً في عدم التزام الطفل بطاعة والديه فهو يخاف في حضورهما فقط, ولكنه يسيء التصرف في غيابهما. وأشارت في تقرير بحثها الذي نشرته مجلة الجمعية الأميريكية للعلوم النفسية, إلى أن الصفع الخفيف إلى المتوسط قد يفيد الأطفال في عمر السنتين إلى الست سنوات ولكن لا ينصح أن يحاول الآباء الذين يملكون ميولاً عصبية بالصفع على الإطلاق, منوهة إلى أنه ليس جميع الأطفال الذين يتم صفعهم قد يعانون من مشكلات انطوائية أو عدوانية.
ووجدت جيرشوف بعد تحليل 88دراسة عن العقاب الجسدي وتأثيره أن هذا العقاب حسب طبيعة الآباء من ناحية استخدامه بصورة متكررة,والمواقف التي تجبرهم على استخدامه, والأحاسيس التي تنتابهم أثناء صفع أطفالهم, وإذا ما كانوا يستخدمونه مع وسائل تربية أخرى.
ولاحظت أن جميع هذه العوامل إضافة إلى علاقة الآباء بأطفالهم هي التي تحدد الاستجابات العاطفية والنفسية عند الطفل, مؤكدة ضرورة اللجوء إلى وسائل أخرى غير الضرب لإفهام الطفل أخطاءه ومضاعفات سلوكياته السيئة, وتعليمه التصرفات الصحيحة التي يجب عليه الالترام بها.