|
|
حلم الشجرة العاشقة ملحق ثقافي ضفائرها تعبث بها الرياح بقسوة فتنتفض كعرف جواد عربي توقف فجأة عن الجري- ومع اشتداد تحدي الرياح لها تزداد ثقتها في ارتباطها بالأرض. كانت تحادث نفسها في الليل لتبعد الوحشة وتثير انتباه النجوم:
هذه الريح تكسر بعضها بعضاً. إنها لاترتبط بمكان واحد. ولهذا تروح وتعود قلقة. دون هدف محدد. أما أنا فهذه أرضي أعانقها بثبات، ولن أحيد عنها قيد أنملة، وليكن موتي دون ركوع. وفيما تظل العاصفة تزغرد طوال الشتاء كانت الشجرة لا تتوقف عن العزف مبتسمة بثقة دون أن تنسى قواعد اللعبة حتى لاتنكسر،مترقبة الربيع الحبيب بلهفة فهو الذي لا يخلف موعده أبداً. -2- بين الصخور والأعشاب البرية الملتفة بجذع الشجرة، كان هناك طائر قد اتخذ من فجوة عشاً له دون أن يبذل مجهوداً في بنائه، يستمع الى أوراق الشجرة وأغصانها وهي تتلوى في حضن الريح فيحادث نفسه ساخراً: إنها تبكي إذن.. كان المفروض أن لاتتطاول على سطح الأرض وأن تندس بين الصخور لتحميها، لكنها غير قنوعة،إنها لا تعرف ثمن الشمس وعليها أن تدفع ضريبة تحدي العواصف. لاأحد يأبه إلى أنينها، هذا ما فعلته بنفسها، الذكي لايحاول ان يجهد نفسه. ( فالرزق يأتي والتعب ليه) -3- على أعلى غصن في الشجرة كان هناك طائر جميل.. تعوَّد أن يستيقظ مبكراً ويفتح صدره للهواء وفيما يتمايل به الغصن من شدة الرياح كان يحادث الشجرة بفرح: - أواه أيتها الرائعة كم تعشقين الرياح وهي تمشط شعرك الأخضر، ما أروع الأنغام التي تعزفينها،رحماك وأنت تتراقصين غنجاً ودلالاً في محراب سيدتك العاشقة ثم يفرد جناحيه عالياً ويضرب الهواء الجامح الذي يكاد يفقده توازنه.. وفيما تسافر عيناه عبر العالم الفسيح، يقلع فجأة في حلقة دائرية يطوف فيها على الشجرة قائلاً لها: -استمري ياصديقتي في عزفك الجميل، سأحضر قوتي وأكون عندك في أسرع وقت، حتى لاتفقد أذناي موسيقاك العذبة... ثم يندفع كسهم مدندناً بأغنيته: (العمر معدود.. والخوف ليه) ها أنا أتحدى يارياح، وياأمطار. -4- مع المساء على غصن الشجرة العالي يقف الطائر الشجاع الجميل يستمع الى غنج الأغصان مع الرياح ،التي تحاول ان تمسك بريشه فيراوغها، يقتات من رزقه الذي وهبه الله له، بسعادة تُعوِّض التعب الذي بذله، وعندما يشعر بعدم قيمة بعض الأشياء يرمي بها فتتساقط الى الاسفل لتجد من ينتظرها بلفهة أسفل الجذع يسد بها رمقه قائلاً لنفسه: (الرزق يأتي.. والتعب ليه) -5- لم تكن الشجرة تعلم أن صديقها الطائر القوي سيغيب عنها طوال اليوم ويتركها الليل وحيدة. حاولت أن تنظر الى الأسفل قائلة لنفسها: سأغنّي للطائرِ الكسول الخامل، لعلّه يشاركني وحدتي.. ولكن الطائر الخائف عندما أحسَّ بصوتِ الرياح والأغصان تتناجى في إيقاع منتظم، فسَّـر الأمور على أنها كارثة ومحنةٌ تعانيها الشجرة، وخمد بين الحجارة قائلاً بينه وبين نفسه: - لقد كنت في منتهى الذكاء والحذر ولم اتورَّطْ في الصراع، فها هي الجاهلة تبكي من صفعِ الرياح لها والطائر الغبي المتهور لم يعد بعد. - حسناً، قد أنام هذه الليلة دون عشاء، ولكن على الأقل ربحت راحتي واسترحت في مكاني الدافىء. لقد قلت دائماً: ( الرزق يأتي.. والتعب ليه) -6- فقدت الشجرة صوت الطائر الذي يحتمي بجذعها، وأطلت عليه بأغصانها في اليوم التالي فلم تره في اليوم الذي يليه عرفت انه مات من الجوع. فقد كان يترقب ما يرميه له الطائر الجسور الذي لم يعد بعد من رحلته الأخيرة.. مع مرور الأيام أصبحت عودة الطائر الجميل بالنسبة للشجرة حلماً، تشردُ معه وتنسى واقعها لتستمع الى صدى صوت خافتٍ مريضٍ يحاول أن يتسلّقَ الجذع دون أمل؟: (الرزق يأتي.. والتعب ليه) تُمشِّطُ الرياح أوراق الشجرةِ العاشقة حيناً بقسوة وأحياناً بُحبٍّ فتتمدّدُ أعناق أغصانها في الهواء، تتحسّسُ الصوتَ العاشق القادم من لامكانٍ: العمر محسوب والخوف ليه ليه ليه.. وتدور الأغصان على نفسها، وتهمس لبعضها بُحبٍّ: إنه على الأقلِّ حلمٌ لم يمت.. قد يأتي يوماً.. قد يأتي .. قد
|
||||||||||||||||||||||||||||||||
