ورحل حارس الزهورِ
ملحق ثقافي 18/4/2006 ادريس مراد تشعر وأنت تقرأ محمد الماغوط أو تكون أمام إحدى مسرحياته، عندها تعلم بأنه لايقترب من موضوع لايعرفه، ولايتناول حدثاً لم يعاينه مرات ولا يتعامل مع صور لم تختمر عنده ،
لذلك أصبحت أعمالهُ مرسومة بالكلمات، وممتلئة بالصمت والحرف معاً، هذا التناغم الشديد الكثافة يوضح للقارىء وللمشاهد الترابط بين الحواس، ثمة نغمة حزينة شبه قاتمة، رغم الكوميديا والبساطة تتوزع أعمالهُ الفنية والأدبية، وهذا الاسلوب جاء من طريقة حياته غير العادية،ولم يمر على طريق لاشوك فيه ، لكنهُ وهو المنغمر حد الهوس بمشروعهِ العميق يتعامل مع اللغة بقصيدته ومعلمية تفصح خلال التجربة عن المكنون الحزين، وعن الوعاء الذي لم يفرغ يوماً من آلام. هل هناك من أحد ينكر بأن مسرحية/ كاسك ياوطن/ تحمل كل هذه الأحزان رغم الكوميديا والسخرية...!؟ ومثلها فلم الحدود وأيضاً التقرير.. ومسرحية شقائق النعمان وضيعة تشرين والغربة.. الماغوط ملىء بالذاكرة ،ذاكرته هو، وذاكرة تاريخ الحدث وعندما تكون القصائد علامات في زمن معين، تتحول مفرداتها إلى أصوات دالة على جزئيات ذلك الحدث، ولا يكتبها إلا متى ما وجد لها موضع قدم جديد، لم يطرقهُ أحد من قبله وعندما تقرأ نصوصهُ تعرف أنك لاتصطدم بكاتب آخر، ولا تتماثل نصوصهُ مع نصوص كاتب آخر، هذه الميزة والاسلوبية جعلته مختلفاً في كتابة نصوص الشعرية ولكنهُ منفرد ولذلك، لم يتعامل مع الشعر الأوفق حال خاصة وأعني أن شعره لا يلامس إلا الموضوعات التي يكون فيها صوت الأنا الجماعي عالياً.. دخل الماغوط كل البيوت بكافة شرائحه «الفقير والغني، الطالب والعامل، القروي والمتمدن.. دخلهُ بوادٍ من المسك، ليضع يده على الغلط، وبحكاياه الليلية، محمد الماغوط.. رحلت ولم تخن وطنك، رحلت وبقيت تحرس الزهور من سياف الزهور.
|