تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لم يمت

ملحق ثقافي
18/4/2006
فايز سلهب

دبَّ الخبر سريعاً أن معلم القرية سليمان خاسكة توفي.هبَّ أبناء القرية والقرى المجاورة باتجاه مجلس عزاء كبير أقيم أمام بيته والحزن يخيم بجناحيه على المكان،

الفصل ربيع وحديقة داره المزركشة الغناء تحولت في نفوس المعزين إلى كسوف كامل سواد بسوادٍ. أحاديث كثيرة تدور جميعها حول المعلم سليمان وأحوال القراءة والدراسة المربي علي سعيدة: للأسف أضحت بيوتنا في هذه الأيام أشبه بمدارس خاصة وأساليب خاصة.. هزَّ المربي إبراهيم ديوب رأسه قائلاً: كان التلميذ يهرب من أمامنا إذا صادفناه بأحد شوارع القرية أمَّا الآن فإنه يتابع لهوه وهو ينظر إلينا بغير احترام.. وكثرت الأحاديث والأسئلة حتى تحول المجلس إلى مايشبه المدرسة. فريق يقول: إن المدرسة التقليدية أكثر إيجابية من المدرسة الحديثة. وآخر يقول: إن الدراسات أثبت أن التربية الحديثة أنجح وتنمِّي مواهب الطفل ومداركه منذ طفولته. المربي الشاعر أحمد داود: ليست المشكلة في الطريقة التربوية لكلتا المدرستين بل المشكل الحقيقي يتعلق في ضعف الراتب، وقلة الوسائل التعليمية الإيضاحية وفي طبيعة المناهج المكثفة و... تقدم عجوز القرية بسنوانه وطلته المريحة، ليجد مكاناً له وسط حشد كبير من المعلمين المجتمعين: أنتم أيها المعلمون أشبه بالرسل كما وصفكم أحد الشعراء (كاد المعلم أن يكون رسولا) ولذا أجد في نفسي المتعة لتواجدي بينكم.صحيح أن المرحوم المعلم سليمان عاش فقيراً ومات فقيراً إلاّ أنه ترك سمعة كالعطر والجواهر.. وتابع حديثه بصوته العذب: هذه الجواهر تلتصق بالمعلم والطبيب والمهندس والقاضي والأديب و...إن صلتنا بالعلم والمعرفة هي الأبقي.. نعم أيها السادة لم يجتمع العلم والمال في بيت. أحد أصحاب البطون الممتلئة المتخمة أعلن امتعاضاً واحتقاناً بسماعه حديث العجوز.. وبدأ الحديث بعد أن سوَّى ربطةَ عنقه البراقة ووضع رجلاً فوق رجل وسحب السيجار الأجنبي من بين شفتيه وبيده الأخرى يلوح بعلاقة ذهبية وبها مفاتيح سيارته الحديثه. «صحيح أن العلمَ سيدٌ لكن المال سيد الكون وأن التاريخ بحروبه وصراعاته البشرية سابقاً ولاحقاً وقعت وستقع من أجل المال. نهض المربي علي دريباتي بهدوئه المعتاد: على ما يبدو أن صاحبنا مشيراً إلى هذا الرجل المتخم لم يحفظ من الدنيا! إلا ما يتعلق بالربح والخسارة والمال. انتصب المرِّبي ناصر ميكائيل الذي كلّل الشيب رأسه واقفاً مبتسماً: يا أخوان تغيّرت الأحوال ولاتلوموا الخال.. ضحك الجميع، بل قهقه بعضهم بصوت مسموع المربي عدنان سلهب بطلته السمراء الجادة: ياإخوة: صحيح أن الرحيل والترحال سنة الكون. وصحيح أن الأمكنة مختلفة والإنسان يقاس بالعطاء الفكري والابداع وفعل الخير، وصحيح أن الفراق قاسٍ جداً. لكن رحيل أشباه الرجال هوّن على الناس- قاصداً الرجل المتخم- المضحك المبكي المربي نديم اسكندر تأخر في الكلام على غير عادته: أبو فلان عليك أن تتحمل جلسة الأوادم (العقلاء) والقشة الأخيرة كادت أن تسقط على ظهرك والرحيل جميل وأسلم في مثل هذه الظروف.. المربي ممدوح حسن يهز رأسه بامتعاض:ذكرني أخونا بقول الشاعر: « ألا لايجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا» نهض المتخم شبه الأمي وهو يلعن تاريخ ولادته سنة تشغيل طاحونة بيت اسبر لتواجده وسط هؤلاء المتخلفين كما سماهم. اقترب عمر الليل من نصفه وانصرف المعزون وبقي ذكر المعلم سليمان وأثره الطيب، كأنه لم يغب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية