وأصبح الكثيرون في أميركا وفي الغرب يعتبرون أوباما من ألمع رجال السياسة المثيرين للإعجاب. لا شك أن أوباما شخصية جذابة بشهادة العديد من المراقبين الغربيين,فقد بدأ عمله السياسي كسيناتور في ولاية إلينوي في عام 1996 قبل انتخابه بعد ذلك كسيناتور في مجلس الشيوخ الفيدرالي عام .2004
تقول عنه مجلة نيويورك تايمز في عددها الأخير (كل واحد فينا يحس في أوباما أن التجربة التي عاشها,والمزاج والأفكار تجعل منه كل متكامل) ألم يقل أن المبدأ الأساسي الذي يحكم رؤيته الدولية يقوم على أن (أمن الولايات المتحدة الأميركية مرتبط عضويا بأمن الشعوب كلها).
حسب دراسة معهد الأبحاث التي أجريت في أربعة وعشرين بلدا ونشرت في 12 حزيران الماضي,فإن المرشح أوباما للانتخابات الرئاسية الأميركية لا يثير الآمال الكبيرة فقط,بل يحسن صورة أميركا في العالم, مع ترشحه ينظر العالم إلى انتخابات 4 تشرين الأول بمنزلة الفرصة لطي صفحة عهد الرئيس بوش كما لو أن أوباما كان قادرا على إعادة تنظيم الكرة الأرضية هذه التي هزتها أحداث 11 أيلول 2001 ومصالحة الولايات المتحدة مع بقية العالم.
يقول أوباما إنه من دون التوصل إلى استراتيجية محددة وواضحة يقوم الرأي العام بدعمها وكذلك يتفهمها العالم فإن أميركا ستفتقد المشروعية وكذلك على نحو مطلق القوة والسلطة التي تحتاجها لكي يجعل العالم أكثر أمنا مما هو عليه الحال اليوم ولذلك فإن أوباما يشدد من جديد على أن أميركا تحتاج إلى إطار جديد ومعدل للسياسة الخارجية يتماشى مع الجرأة والمجال الواسع الذي تميزت به سياسة الرئيس الأميركي الراحل هاري ترومان بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وينبغي أن تواجه هذه السياسة الجديدة التحديات والفرص المتوفرة في القرن الجديد وعلاوة على ذلك فإنه يطالب بأن ترشدنا (هذه السياسة الجديدة إلى حدود استخدمنا للقوة والاعراب عن مثلنا ومبادئنا السامية والتزاماتنا الراسخة) ولكن أوباما يقول بتواضع:إنه يفترض أن لديه (تصوراً كاملاً عن هذه الاستراتيجية الكبيرة داخل جيبه) ولكنه يعرف ما يؤمن به ولذلك فإنه يقترح أموراً عدة ينبغي على الشعب الأميركي أن يتفق عليها بحيث تكون نقطة البداية لها هي التوصل إلى قناعات جديدة.
ويعرب أوباما عن قناعته بأنه ليس متفائلاً حول مستقبل العراق على المدى القريب ومن أجل تحقيق مستقبل أفضل في العراق فإن أوباما يؤكد بخلاف السناتور جون ماكين أنه سينهي تلك الحرب إذا صار رئيسا, لقد وجد أنه خطأ كبير الالتهاء عن مصارعة القاعدة وطالبان في أفغانستان والانصراف إلى مهاجمة بلد لا يشكل خطرا حاضرا على الولايات المتحدة وما كانت له علاقة بهجمات 11/9/2001 ومنذ بدء الحرب على العراق قتل أربعة آلاف عسكري أميركي وانفقت أميركا تريليون دولار.
ويركز أوباما بعد ذلك على اقتناعه الشخصي الذي لا يزال يعلنه حتى اليوم وسيستمر في تأكيده خلال الحملة الانتخابية ضد السيناتور ماكين بضرورة القيام بعملية انسحاب تدريجي للقوات الأميركية إلا أن المرشح الديمقراطي يلتزم الحذر بالقول:إنه ليس واثقا حتى الآن بكيفية تحقيق انسحاب سريع وشامل من العراق لأن ذلك سيعتمد على عدة افتراضات مهمة حول مدى كفاءة الحكومة العراقية في توفير الخدمات الرئيسية والأمن للشعب هناك,ويتساءل أوباما أيضا عما إذا كان استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق هو أحد الأسباب الرئيسية للتمرد وأعمال العنف هناك.
والأمر الأكثر خطورة والذي يثير قلق أوباما هو ما إذا كانت البلاد ستنزلق إلى حافة الحرب الأهلية إذا ما قامت أميركا بالانسحاب ,ويعترف أوباما بصراحة أنه ليست لديه (إجابات سهلة عن هذه التساؤلات) ولكن سبق لأوباما أن كرر مرارا علينا أن نكون حريصين في الانسحاب من العراق وبقدر ما كنا غير حريصين في الوصول إليه نستطيع أن نعيد انتشار قواتنا في زمن قد يمتد إلى ستة عشر شهرا وهذا يعني صيف العام 2010 أي بعد سنتين من الآن.
في زيارته الأخيرة لأفغانستان قال أوباما إذا صرت رئيسا فإنني سأتبع استراتيجية جديدة وأولى الخطوات إرسال فرقتين عسكريتين جديدتين إلى أفغانستان, فنحن محتاجون هناك لقوات مقاتلة أكبر وللمزيد من المروحيات ولجمع المعلومات من أجل حركة القوات بشكل أفضل ولمزيد من العناصر غير العسكرية لتحقيق الأهداف المخطط لها,ولن أعمد لإبقاء القوات بالعراق ومعها مواردنا وإمكانياتنا لا شيء إلا للاستمرار في اتباع سياسة ترمي لإقامة قواعد عسكرية ثابتة بالعراق وهكذا فإن هناك اختلافات بيننا بشأن الاستراتيجية الضرورية بالعراق.
في جولته الأوروبية أطلقت البلدان الأوروبية على ظاهرة المرشح الديمقراطي باراك أوباما عدة تعبيرات ترسم (أوباما تاتيز) و (أوبامانيك) و (أوبامانيا) الصورة نفسها لمؤديدي المرشح الأسود التي لم يظهر مثلها في معسكر نظيره الجمهوري أو على الأقل لم تظهر في عناوين ومانشيتات الصحف الصادرة باللغة الانكليزية أيا كان مصدرها ولكن قبل زيارته أوباما اوروبا عرج أوباما على تل أبيب حيث أطلق تصاريحه »الصاخبة سياسيا) وأبرزها اعتباره »القدس عاصمة أبدية لدولة اسرائيل) محاولا بذلك كسب أصوات الجمعيات اليهودية الأمريكية لصالحه.
بيد أن قمة زيارته لأوروبا كانت في برلين حيث ألقى أوباما خطابا أمام أكثر من 200 ألف شخص وهو ضعف عدد الذين كان متوقعا حضورهم وشدد فيه على أهمية الحوار الدولي والتعاون الأميركي-الأوروبي لمواجهة مختلف التحديات وأهمها الإرهاب وذكر الناطق الرسمي باسم الحكومة الألمانية أولريش فيلهلم أن مواقف السيناتور الديمقراطي الأميركي تتوافق مع مواقف حكومته وأن المستشارة أنجيلا مركل ووزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير »يريان أن الخطاب يشكل إشارة إيجابية من أوروبا وإلى أوروبا) وقال منسق العلاقات الألمانية-الأميركية في الحكومة كارستن فوغت إنه يرى في أوباما »فرصة لبداية جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة).
ورحب الألمان على اختلاف انتماءاتهم الحزبية بشعار »نهج التغيير) الذي يرفعه المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية باراك أوباما وكان جوهر المحادثات الثنائية الرسمية سواء مع المستشارة ميركل ووزير الخارجية شتاينماير أو عبر الملصقات التي رفعتها الجمعيات المؤيدة لسلامة البيئة وسلامة الانسان ووقف الحروب والدمار تناول مدى قدرة المرشح باراك في حال وصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية على إحداث تغيير في النهج السياسي لهذه البلد ولا سيما سياسته »عبر الأطلس) والعمل على تأمين السلام العالمي والمباشرة بسحب الجنود الأمريكيين من العراق وبالتالي توحيد السياسة الخارجية مع الاتحاد الأوروبي لفرض نهج الحوار والتخفيف من نهج التوتر عبر سياسة الحوار لفرض الأمن والاستقرار في العالم.
* كاتب تونسي