تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قصة راوٍ مع حكايته: الصدقية..!

آراء
الأثنين 4/8/2008
نواف أبو الهيجاء

طموح أي مبدع- في الدنيا أن يصل إلى أوسع جمهرة من المتلقين- وبخاصة من كان إنجازه موجهاً بالدرجة الرئيسة إليهم, أو من أجلهم, والراوي يبحث أبداً عن عنصر (الصدقية) أو المصداقية,

رابط العلاقة الأمتن مع المتلقي, في المسرح, الجمهور يدرك أنه في حالة عقد غيرمكتوب مع المؤلف والمخرج والممثلين- يمكن من خلاله تصديق مرور ثلاثين عاماً في دقيقة عرض واحدة, وكذا الأمرأمام شاشات التلفزة والسينما, أما العمل الروائي فأهم عنصريجب أن يتوفر فيه إقناع المتلقي بصدق السرد الذي يطالعه, هذه المهمة تلخص في حقيقة الأمر تعريفاً للعمل الروائي أو القصصي- وحتى المسرحي: خلق عالم جديد من عالم قائم وبأسلوب هو (المبدع نفسه) فالأسلوب عن (المبدع) ذاته, وعليه فإن التجربة الذاتية- التي عادة مايكتبها الراوي- عن حياته تكون عامل جذب للغوص في (خلاصة حياة) المؤلف والتفرج على معاناته وعلى كيفية وحرفية الكتابة لديه: ثمة طقوس بعينها لديه? وماهي? كيف يفكر وكيف يتعامل مع الأقربين ومع الأبعدين.الخ إنه نوع من محاولة التعايش مع المبدع.‏

هل مربكم سرد واقعي وحقيقي- هو أقرب إلى الخيال منه إلى الحقيقة أوالواقع? لو أن الراوي عمد إلى القول إنه هاهنا يكتب قصة خيالية وأن الشخوص مخلوقون من (بنات أفكاره) لقلنا إنه أمر عادي, فالمتلقي سيتهيأ لقراءة سردية لاواقعية ولكنها تحاكي الواقع وتقترب منه إلى حد ( الشعور بحرارة الحياة) تتقافز من بين السطور والكلمات- لتثير القدرة على التخيل لدى المتلقي وإلى حد المساس المباشر بالإمكانية الفعلية للتخيل..‏

المسألة لاتتعلق بنمط عدد من الناس, ولابالقدرة على التخيل, بل- في حالتنا الراهنة, بالقدرة على نقل( مخلص وأمين) للوقائع كماحدثت, قد يكون هذا أمراً يسيراً أمام الكاتب المحترف, وهو كذلك, فأين العقدة إذاً? إنها حين تكون ( الأحداث والوقائع) أعمق وأعنف وأقوى وأغرب وأكثر حرارة من كل مايخطر ببال ( المتخيل)? كل الروائيين والقاصين يجدون أمر خلق الشخصية اسهل وأبسط وأيسر من التعامل مع (شخصية) حقيقة- حين يراد نقل الحدث والشخصية سردياً إلى المتلقي, ماذا إن كانت الوقائع أغرب من (الخيال)? هاهنا القضية التي نحن بصددها اليوم.‏

قضيت مع زوجتي- التي كانت حاملاً- مدة 179 يوماً في ( مخيم مابين الحدين العراقي والأردني) في قلب الصحراء, أصدقائي في الشام طلبوا مني أن أقص عليهم شفاهة بعضاً مما عشناه في هذا المكان الصحراوي- صيفاً- مع الغبار والعواصف والحشرات والزواحف والانتظار- وكذلك إنجاب توءمين- والعودة بهما إلى (الخيمة) وكأن قدر النتف التي رويتها تحدثت عن واقعة إنسانية رائعة- مواقف أسرة ( لاتدين بدين الله-لاهي مسلمة ولاهي مسيحية ولاهي يهودية)- من وضعنا أنا وزوجتي- سجّلت الأسرة مواقف نبيلة في مساعدة زوجتي منذ الصباح الباكر وحتى المساء المتأخر, قفز أحد الأصدقاء الروائيين القاصين وصرخ (نوبل)- وهو يعني أنهارواية تستحق (نوبل) كونها تتطرق إلى إنسانية ظلت دغلا بكرا لم يتجرأ على دخوله أي منا في السباق.‏

الإنسان- في كل الأحوال- يجب أن يتمتع بسجايا وبصفات مختلفة عن بقية الخلائق إنه عقل وعاطفة وضمير وبالتالي هوالذي يحاسب على استخدام ماوهبه الله له..‏

أوعي ذلك أم لم يع- وأدرك أولم يدرك- المواقف الإنسانية يمكن أن تمحو كل الفوارق ( الاثنية- والبيئية) وفوارق اللون والجنس- حين يجتمع الناس في مواجهة خطرمحدق بهم- وهو خطر لايميز بين هذاوذاك منهم, ننظر إلى واقع فلسطين مثلاً أو واقع العراق المحتل هناك لايميز بين رجل وامرأة ولابين منتم إلى هذا الفصيل أوذاك- ولابين طفل وشاب, تفجير سيارة مفخخة في سوق يستهدف حياة من هم في السوق بصرف النظر عن الاعتبارات والوقائع الأخرى- قصف لمخيم أو لمدينة يستهدف من يعيش (هناك) دون أن يكون قاصداً أفراد منظمة بعينها أو فصيلاً بذاته.‏

الموحد هنا في المواجهة هو الباعث الإنساني لقدرة التصدي (جماعياً), معنى ذلك أن النفس الإنساني يتجلى في ( حدقة الموت أو الخطر أو في يقين رؤية زحف الخطر نحو الضحية الإنسان)- وكما قال المتنبي ( في جفن الردى وهو نائم) في معرض البحث عن الصدقية والمعقولية يكون المؤلف بين نارين أو خيارين: إما الخروج مع المتلقي في مصالحة على حساب الواقع والصدق والفن- وإماقبول التحدي إلى درجة قبول مخاطر التعامل مع السردي بكثير من الشك, المؤلفون سابقاً لجؤوا إلى الإكثار من عدد الرواة حين يسردون أمراً قد لايكون (معقولاً أم مقبولاً) في المجتمع الذي إليه يتوجهون عدد الرواة سدود أمام دفق الشحنات وسخونتها وقدرتها على اختراق ما أمامها من الحواجز.. هذا ماعمدت إليه املي برونتي في تعاطيها مع شخصية ( هثكلف) مثلاً قسوة إنسان ضد (رضيع) رواية مرتفعات وذرنج موقف الراوي اليوم هو أنه يحاول أن يشذب و( يقصقص) ويرتب الوقائع بحيث يكون مايسرده مقبولاً وقابلاً للتصديق من المتلقين.‏

الصعوبة في أن ( الأحداث) التي واجهها- الراوي- خلال مدة زمنية قصيرة- كثيرة جداً بحيث يمكن أن تكون مقسمة على عشرة أو عشرين شخصاً, المأزق هو في السؤال الآتي: في حالة كهذه هل من الضروري أن يكون العمل روائياً أم من الضرورة أن يكون جزءاً من سيرة ذاتية? أم من الممكن ( الجمع بين الحالتين)? وهل الخروج من الغابة هذه سهل وميسور?! المهم اكتب, ولاتسل لاعن النقاد ولاعن القراء هذا هوالاستهتار بعينه- أمر النقاد ليس هو المعضلة, أمرالقراء هوالأساس, أم نعود إلى السؤال التاريخي العتيق: لمن نكتب? لمن نرسم? لمن نغني? لمن نؤلف الموسيقا? لمن نمثل? لمن نبدع?.‏

أقول لكم ماشعرت يوماً بالشلل كماهي حالي مع (حكايتي) التي اكتبها وأنا مرغم أن أقصقص وأشذب وارتب لكي يصدق المتلقون, ماستصافحه عيونهم وقلوبهم وعقولهم يوم تنتهي حالة الصراع بيني ( مؤلفاً) وبيني (إنساناً وشخصية في رواية)!‏

nawaf abulhaija@yahoo.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية