لم يراهنوا على الاخر ابدا انما كان رهانهم على الاصالة التي يمتع بها شعبنا العربي وقدرته على تجاوز المحن، وما حل بالامة العربية من مآس ليس عابرا ولا هو في دفتر النسيان ابدا ولا مرشحا ليكون كذلك.
سامنا العثمانيون الوانا من الذل والعذاب والارهاب بكل الوانه واشكاله وصنوفه، الامر الذي ادى الى التخلف الاجتماعي والثقافي والفكري، ومن ثم الانحطاط الذي ترك اثره على مناحي الحياة كلها، وحين اراد ابناء الامة أن ينهضوا ليأخذوا بمطالبها وحقوقها كانت اعواد المشانق تنتظرهم في ساحات بيروت، وكان أبطال السادس من ايارمشاعل النور على درب الحرية والوفاءالشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي كما غيره من الشعراء هزته الفاجعة،وهزه ما يعاني من الشعب من جوع وتخلف فكان لسان حال الثورة على الظلم الاجتماعي والثقافي والانساني، وهو الشاعر الذي نذر عمره من اجل قضايا انسانية هامة لاتغرب خارج قضايا الوطن، اترانا نتذكره اليوم ولم لانقف عند محطات من حياته ودوره الرائد في التنوير الاجتماعي ؟ في محطات حياته ان جميل صدقي الزهاوي من عائلة الزهاوي ولد عام 1863م، و نشأ ودرس على أبيه وعلى علماء عصره، وعين مدرسا في مدرسة السليمانية ببغداد عام 1885م، وهو شاب ثم عين عضوا في مجلس المعارف عام 1887م، ثم مديرا لمطبعة الولاية ومحررا لجريدة الزوراء عام 1890م، وبعدها عين عضوا في محكمة استئناف بغداد عام 1892م، وسافر إلى استانبول عام 1896م، فأعجب برجالها ومفكريها وتأثر بالأفكار الغربية، وبعد الدستور عام 1908م، عين استاذا للفلسفة الإسلامية في دار الفنون باستانبول ثم عاد لبغداد، وعين استاذا في مدرسة الحقوق، وانضم إلى حزب الاتحاديين، وانتخب عضوا في (مجلس المبعوثان) مرتين، وعند تأسيس الحكومة العراقية عين عضوا في مجلس الأعيان. ونظم الشعر بالعربية والفارسية منذ نعومة أظفاره فأجاد واشتهر به.
عرف على مستوى العراق والعالم العربي وكان جريئاً وطموحاً وصلبا في مواقفه، فاختلف مع الحكّام عندما رآهم يلقون بالأحرار في غياهب السجن ومن ثم تنفيذ أحكام الإعدام بهم فنظم قصيدة في تحيّة الشهداء مطلعها:
عَلى كل عود صاحب وَخَليلُ
وَفي كل بيتٍ رنةٌ وَعويلُ
وَفي كل عين عبرة مهراقة
وَفي كل قلب حسرة وَغَليل
علاها وَما غير الفتوَّة
سُلَّمٌ شباب تسامى للعلى وَكهول
كأَنَّ وجوه القوم فوقَ جذوعهم
نجوم سماء في الصباح أُفول
كأَنَّ الجذوع القائمات منابر
علت خطباء عودَهنَّ تَقول
لَقَد ركبوا كور المَطايا يحثّهم
إلى الموت من وادي الحَياة رَحيل
أَجالوا بهاتيك المشانق نظرةً
يَلوح عليها اليأس حين تَجول
وَبالناس إذ حفوا بهم يخفرونهم
وقوفاً وَفي أَيدي الوقوف نصول
يرومون أن يلقوا عدولاً فينطقوا
وَهيهات ما في الحاضرين عدول
دنوا فرقوها واحداً بعد واحد
وَقالوا وَجيزاً لَيسَ فيه فضول
والغريب ان كل المواقع التي نشرت شعر الزهاوي ومنه هذه القصيدة غيرت قليلا او حذفت بيتا منها يقول:
بني يعرب لا تأمنوا الترك بعدها
بني يعرب ان الذئاب تصول
ولم يقف عند حدود الدفاع عن الحق السياسي بل انه دعا الى اخذ المراة حقوقها وطالبها بترك الحجاب (ويقصد به النقاب الذي يخفي معالم الوجه) وأسرف في ذلك، حيث قال:
اسفري فالحجاب يا ابنة فهر
هو داء في الاجتماع وخيم
كل شيء إلى التجدد ماض
فلماذا يقر هذا القديم ؟
اسفري فالسفورللناس صبح
زاهر والحجاب ليل بهيم
اسفري فالسفور فيه صلاح
للفريقين ثم نفع عميم
زعموا ان في السفور انثلاما
كذبوا فالسفور طهر سليم
لايقي عفة الفتاة حجاب
بل يقيها تثقيفها والعلوم
وقال أيضا:
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
أسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه واحرقيه بلا ريث
فقد كان حارسا كذابا
وحسب الموسوعة الحرة فان طه حسين كتب عنه قائلا: «لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار.. لقد كان شاعر العقل.. وكان معري هذا العصر.. ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم..»
قال عنه العلماء بان الشاعر وليد الأعظمي: ((كان الزهاوي شديد الاعجاب بنفسه محبا للشهرة ويميل إلى مخالفة الناس، ويدعي المعرفة بالعلوم كلها كالفلسفة والفلك والجاذبية والتشريح ما أثار ضجة كادت تودي بحياته، وهو شاعر مكثر، وشعره ثقيل غير سائغ بسبب حشر النظريات العلمية فيه، وكان يحسن اللغة العربية والتركية والفارسية والكردية، وشيئا من اللغة الفرنسية، وترك عدة دواوين منها (الكلم المنظوم) وديوان (اللباب)، وديوان (الأوشال)، و(الثمالة)، و(رباعيات الزهاوي)، وهي ترجمة لرباعيات (الخيام).
ما احوجنا اليوم ان نأخذ برؤى الشعراء ونعيد مواقفهم التي لم تكن من فراغ ابدا فهل نستيقظ ونحن نرى الذئاب وقد تكاثرت من كل حدب وصوب.
Yomn.abbas@gmail.com