تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مؤتمر برلين.. لتقطيع «الكعكة »الليبية !!

الغـــارديــان
دراسات
الثلاثاء 21-1-2020
ترجمة: ليندا سكوتي

في مطلع عام 2020 أصبحت ليبيا واحدة من البؤر الساخنة الرئيسة في الشرق الأوسط الكبير بعد أن تحول النزاع فيها إلى حرب بالوكالة.

وإزاء التوترات المتصاعدة في هذا البلد، دعت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لعقد مؤتمر في برلين لإجراء محادثات سلام بغية إيجاد حل للنزاع المستشري، وكان من نتائج هذا الاجتماع توصل القوى الغربية والعربية المشاركة في المؤتمر إلى اتفاق ينص على احترام أسس حظر السلاح الذي فرضته الأمم المتحدة والتوقف عن تقديم الدعم العسكري للفصائل المتحاربة في ليبيا والتزام الدول كافة بإنهاء تدخلها على الأرض كي تعطي الليبيين مساحة أوسع للمصالحة السياسية.‏

لكن من المؤسف أن يفشل هذا التجمع في إقناع الأطراف المتنافسة بالاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار كما كان يأمل كثيرون.‏

في الوقت الذي صور فيه القادة الغربيون القمة واتفاقها على أنه خطوة نحو الأمام، بدا أن التوترات في ليبيا تتزايد باطراد، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت الظروف السياسية على الأرض مؤهلة لتنفيذ وقف لإطلاق النار.‏

وحضر اجتماع برلين كل من رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون، ورئيس فرنسا إيمانويل ماكرون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأردوغان، إضافة إلى ممثلين وزعماء العديد من الدول الأوروبية والعربية الأخرى. كما حضر أيضا كل من المشير خليفة حفتر قائد قوات الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على شرق البلاد، وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني.‏

لكنهما لم يلتقيا ما يؤكد عمق العداء بين الطرفين.‏

وفي هذا السياق قالت ميركل: «تحدثنا مع كل من القائدين بشكل منفرد، لأن الخلافات بينهما لا تزال كبيرة حتى إنهما لا يتكلمان مع بعضهما بعضا ولم يجلسا في الغرفة نفسها».‏

وقع طرفا النزاع على إرسال ممثلين عنهما إلى اجتماع آخر سيعقد في جنيف في المستقبل القريب حيث سيباشرون بالبحث والحوار للتوصل إلى حل للمعضلة القائمة.‏

ويبدو أنه مازالت التوقعات ذات مستوى متدنٍ بالنسبة لإمكانية توصل المحادثات إلى أي نوع من السلام الدائم في المستقبل القريب، حيث لوحظ استمرار القتال أثناء عقد اجتماعات المؤتمر إذ شنت قوات حفتر هجمات جديدة على العاصمة الليبية طرابلس ما يؤكد أن لقواته اليد العليا على الأرض وخاصة أنه يسيطر على 80% من الأرض الليبية.‏

في خضم هذا الواقع، نتساءل إن كانت الدول التي تقود أحد أكثر صراعات العالم تدميراً ستضع جانباً طموحاتها وتتوقف عن إرسال الأسلحة والمقاتلين، بعد تجاهلها لأمر حظر الأسلحة لسنوات؟.‏

ترى «تركيا إردوغان» أن ليبيا تشكل بداية لطموحاتهما الاقتصادية والجيواستراتيجية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. أما القوى الإقليمية مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية فهي تنظر إلى ليبيا من خلال العدسة الإيديولوجية وصراع الإخوان المسلمين والوهابية -وتخشى الدور المتزايد الذي تلعبه تركيا، التي دأبت على دعم حركة الإخوان في دول متعددة.‏

وفي هذا السياق، قال الخبير الليبي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ولفراملاشر: «طوال الوقت، أرسلت الدول المنخرطة في النزاع المزيد من الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، لذا فإن كلمات رؤساء الدول لا تهم كثيراً. إذ لا يوجد أي مؤشر على أن المواقف الحقيقية للوسطاء الأجانب قد تغيرت».‏

هناك دلائل تشير إلى أن الأطراف المتحاربة قد وظفت الهدوء في القتال لتعزيز مواقعها، ففي العاصمة، اكتسبت الميليشيات الموالية للسراج نوعا من الدفع جراء وصول مئات المسلحين الذين أرسلتهم تركيا من سورية فضلا عن تقديمها لنظام دفاع جوي تركي، أما في بنغازي التي تعتبر معقل حفتر الشرقي فقد أفصحت تقارير عن وصول أسلحة جديدة من الخارج إلى قوات حفتر.‏

امتد الصراع الليبي لنحو تسع سنوات، وطوال ذلك الوقت، لم تكترث الولايات المتحدة وأوروبا بهذا الصراع، لكن ليبيا أخذت تجذب الانتباه عندما أصبحت بوابة لعشرات الآلاف من المهاجرين في عامي 2015و2016.‏

بيد أن التدخل التركي الأخير لمساندة فايز السراج قد خلق حاجة ملحة جديدة لبذل مساعي السلام. وبذلك تحول الصراع إلى أحد أكثر حروب الوكالة صعوبة في الشرق الأوسط، إضافة إلى ما يحمله من عواقب محتملة تمس الاستقرارفي أوروبا.‏

وحتى داخل الاتحاد الأوروبي نجد تباينا بين مواقف تلك الدول إزاء الصراع في ليبيا حيث نجد فرنسا تقف إلى جانب الجنرال حفتر، في الحين الذي كانت به إيطاليا أقرب إلى الحكومة في طرابلس، ذلك لأن كلا من إيطاليا وفرنسا لهما مصالح اقتصادية متباينة في ليبيا تتمحور حول الموارد النفطية والغازية.‏

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون:»ينتابني القلق بشأن وجود مسلحين قادمين من أماكن تواجد المتطرفين في سورية إضافة إلى أجانب في مدينة طرابلس الأمر الذي يجب أن نسعى لوقفه، ولا يجب على أحد أن يلعب لعبة ذات وجهين».‏

لقد أصبح الصراع الليبي يمثل حالة من الاختبار للطموحات الألمانية والأوروبية، وقد رأى البعض في مؤتمر برلين محاولة لإحياء هذا النوع من الدبلوماسية في عصر تآكلت فيه الاتفاقات متعددة الأطراف، من اتفاق باريس للمناخ إلى الاتفاق النووي الإيراني.‏

وفي هذا السياق، قال دانييل جيرلاش، رئيس تحرير مجلة زينيث، وهي مجلة ألمانية: « في ظل المناخ الحالي وانحسار دور الولايات المتحدة كشرطي في العالم، ما زال ثمة إمكانية للتوصل إلى اتفاقات دولية ودبلوماسية وإيجاد حلول متعددة».‏

لا ريب أن لدى برلين مصلحة في منع الصراع من الخروج عن نطاق السيطرة نظرا لأعداد المهاجرين الذين يلتمسون اللجوء في ألمانيا، لذلك تتطلع الحكومة في برلين إلى منع حدوث أزمة أكبر قد تدفع بمئات الآلاف من الأشخاص مرة أخرى إلى عبور البحر الأبيض المتوسط ​​لعلهم يتمكنون من اللجوء إلى أي دولة أوروبية.‏

يضم الاتفاق الذي تم توقيعه في برلين يوم الأحد 55 بندا ويستغرق ست صفحات، وينظر البعض إلى تلك الوثيقة كمؤشر على الاختلافات بين المشاركين إضافة إلى إعطائها صورة عن الصعوبات التي تلوح في الأفق جراء تفعيل الاتفاق.‏

تتصدر أولويات المراقبة منع دخول الأسلحة إلى ليبيا التي انتشرت في السنوات الأخيرة. وقد سبق لمجلس الأمن الدولي أن وافق لأول مرة على فرض حظر على الأسلحة في عام 1970، ولكن تم انتهاكه مرارا وتكرارا من قِبل الدول الأعضاء منذ انحدار البلد في حالة من الفوضى عقب الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011 بعد تدخل القوات الأوروبية بمساعدة أميركية.‏

وقد اتفقت الدول المشاركة بالمؤتمر على «الاحترام والتنفيذ الكاملين» لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.‏

في الشهر الفائت، وقعت حكومة السراج اتفاقا غير شرعي مع تركيا تضمن به حقوق التنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط الأمر الذي أغضب اليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي ومصر، إذ لدى كل منها طموح في الموارد الليبية ولا سيما جراء حصول أنقرة أيضًا على حوالي 18 مليار دولار من العقود المعلقة بعد سقوط معمر القذافي.‏

شعر كثيرون بالارتياح جراء انعقاد هذا الاجتماع الهادف للمساعدة في حل نزاع استمر سنوات وكلف في مرحلته الأخيرة الكثير من القتلى والمشردين. وقد ازدادت معاناة الليبيين وبؤسهم منذ اجتياح حلف شمال الأطلسي عام 2011 لليبيا ما أدى بهذا البلد إلى عصر جديد من الفوضى والحرب ويقول عمال الإغاثة في الأمم المتحدة إنه من الأهمية بمكان وقف الصراع قبل أن يدمر طرابلس التي تعد أكثر المناطق كثافة سكانية في البلاد.‏

وقال مدير لجنة الإنقاذ الدولية في ليبيا توماس غاروفالو في بيان له: «يجب وقف العنف في ليبيا»، مشيرا إلى أن منظمته اضطرت إلى تعليق بعض أعمال الإغاثة في البلاد بسبب النزاع. وأضاف: «يكتنف الشعب الليبي خوف دائم من تدهور الأوضاع في أي وقت».‏

كان مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة ونوابه يستجدون الزعماء الغربيين منذ شهور لاتخاذ إجراءات ملموسة حيال ليبيا، وأعربوا عن تحذيراتهم في مجلس الأمن حول الكارثة الإنسانية التي تتكشف وإمكانية ظهور داعش في ظل الفوضى القائمة.ولكن بعد مؤتمر برلين أصاب الكثير من الليبيين التشاؤم جراء ما تبين له من أن كلا من اللاعبين لديه الكثير من المصالح الخاصة التي يسعى لتحقيقها، وأصبحواعلى قناعة تامة أن بلادهم ليست سوى لعبة ضمن الألعاب الجيوسياسية للقوى العالمية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية