وأكثر عداء لإيران وأكثر تعامياً عن المصادر الحقيقية للإرهاب التي تستهدف الولايات المتحدة. والآخرون في العالم, ومن الناحية الأخرى نجد أن بعض الأميركيين يخططون لرسم طرق بناءة وأكثر واقعية من أجل إشراك بقية العالم في اتخاذ القرارات إذ إن فقر سياسة الولايات المتحدة والتي تتحمل الإدارة الأميركية الجزء الكبير منها قد أضافت المزيد من الشعارات واستعراض العضلات في الوقت الذي افتقرت فيه إلى الجدية في مناقشة أهم القضايا الخارجية والتي أصبحت اليوم تربط أميركا بأهم وأخطر الحالات والقضايا في الشرق الأوسط وآسيا.
إن الانعكاس الأكثر دقة للمشاعر والقيم الأميركية قد كتب في التقرير الذي اشترك بصياغته الحزب الديمقراطي والجمهوري بالإضافة إلى المستقلين ويتضمن التقرير عرضاً مقدماً للرئيس الأميركي الجديد لسياسة أميركية جديدة ترتكز على سياسة التفاؤل عوضاً عن سياسة الخوف والرعب وقادرة على اشراك بقية العالم وقد سمي ذلك التقرير تقرير (أميركا أكثر أمنا وذكاءً) وقد أصدرته اللجنة الممثلة للحزبين برعاية حركة الدراسات العالمية والاستراتيجية الذي يرأسه ريتشارد آرميتاج معاون وزير الخارجية السابق ورسالته الأخيرة تتمحور حول تراجع تأثير الولايات المتحدة في مختلف أرجاء العالم وصورتها التي باتت مشوهة وغير مقبولة فإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية راغبة حقاً في الحفاظ على دور قائد ومؤثر في القضايا العالمية عليها أولاً التخلي عن بث الرعب وعليها العمل على زرع بذور الأمل والتفاؤل عوضاً عن ذلك.
ويقدم التقرير خطة لسياسة تعتمد على استخدام الحضارة والثقافة ووسائل الإعلام بالإضافة إلى الرياضة والتقنيات الحديثة ودمجها مع إمكانية استخدام الدبلوماسية وإمكانية فرض عقوبات عسكرية أو تدخل عسكري سريع. إن دمج كل تلك الوسائل واستخدامها سيساعد الولايات المتحدة على بناء البنية التي تحتاجها من أجل معالجة أصعب التحديات العالمية وبالتركيز على النقاط الخمس الحاسمة المتمثلة ب (الحلفاء- الشركاء- المؤسسات- التطوير العالمي- وأخيراً الدبلوماسية) التي ستتمكن من بناء خطة طويلة الأمد كما سيساعد ذلك على بناء عملية الاندماج الاقتصادي وتطوير العلاقات ما بين الشعوب وتطوير التقنيات والابتكارات خصوصاً في ما يتعلق بأمن الطاقة والتغيير المناخي.
إن الميزة التي يتحلى بها التقرير وما أتى فيه من توصيات ذات أهمية كبيرة لأنه يعتقد بأن الأغلبية الأميركية ستختار -على الأرجح- تبني سياسة خارجية أكثر واقعية وأقل عدوانية إذ إن السواد الأعظم لا يشعر بالراحة حيال لعب الولايات المتحدة دور رجل الأمن الداخلي في العالم ويرغبون بشدة في تغيير السلوك الأميركي وفي تحسين صورة أميركا والمواقف الأميركية المهينة أمام الرأي العام العالمي وعندما سئل السيد جوزيف ناي في جامعة هارفرد بعد أيام قليلة من نشر التقرير عن السبب الذي جعل الأحزاب تتفق على ما جاء في التقرير أجاب بأن ردة فعل الرأي العام وبعض السياسيين تتعارض تماماً مع الإدارة الأميركية الحالية إذ إن إصرار المحافظين الجدد على تبني مواقف أحادية الجانب دون إشراك الغير قد قاد الأمة الأميركية إلى مأزق مؤلم لذلك تبنت جميع الجهات السياسية فكرة استخدام القوة الذكية والتي تقول إن أميركا قد صدرت الرعب والخوف لاستخدامها القوة والعنف وتجاهلت تماماً استخدام أدوات الجذب والترغيب وعندما سئل السيد جوزيف عمّا إذا كانت الحرب على العراق السبب الرئيسي وراء إحداث هذا التغيير والتحول في وجهة نظر أميركا أجاب بأن العراق قد لعب دوراً كبيراً في جعل الشعب الأميركي يدرك أخطاءه إلا أن الأمر يتعدى العراق فقد أدركت أميركا أخيراً السخط الفادح في إبطائها في معالجة عملية السلام وأنها لم تعط انتباهاً كافياً للتصديق على سياستها لأنها اتخذت قراراتها بشكل أحادي عوضاً عن حصولها على موافقة الأمم المتحدة من أجل الحصول على غطاء شرعي لما تقوم به.
إن وجهة النظر الأميركية الجديدة التي باتت تشجع سياسة إشراك الغير لا يعتبر مجرد تغيير بل هو انعكاس لطريقة تفكير الأغلبية الأميركية المعارضة لسياسة السفاح الأميركي وراعي الأبقار الأميركي وإدارته التي تقف وراءه والتي استخفت بالعالم أجمع وتعاملت مع أفراده كمغفلين سذج فهل تنجح أميركا في تبني سياسة التفاؤل الأقل عدائية.