بناء على ذلك نجد أن تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف تموز عام 2006 لا تزال تتفاعل داخل هذا الكيان المصطنع وخارجه حتى الآن نتيجة الفشل الذريع الذي لحق بجيش الاحتلال ومنعه من تحقيق أهدافه العدوانية رغم امتلاكه أحدث الأسلحة المتطورة الأميركية الصنع بفضل صمود المقاومة الوطنية اللبنانية بأسلحتها الخفيفة وامتلاكها لروح التضحية دفاعا عن أرضها وحريتها واستقلالها ,ودليل هذه التداعيات صدور التقرير النهائي للجنة التحقيق الإسرائيلية الأسبوع الماضي والمسمى بتقرير فينوغراد.
لقد أكد التقرير أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ورغم التخطيط المسبق للعدوان ووضع الخطط العسكرية واتخاذ قرار الحرب ودعم الولايات المتحدة الأميركية اللامحدود على كافة الصعد بالإضافة إلى دعم الدول الغربية وبعض القوى السياسية المتأمرة في المنطقة فقد فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافه العدوانية التي تتمثل في تجريد المقاومة الوطنية اللبنانية من سلاحها والقضاء عليها نهائيا تمهيدا لتحقيق هدف أميركي إسرائيلي مشترك يتمثل في تقسيم المنطقة إلى دويلات وكانتونات صغيرة تسهل السيطرة عليها واستغلال خيراتها وتعمل ب (ريموت كنترول) أميركي إسرائيلي تحت مسمى الشرق الأوسط الجديد حيث قالت وزيرة الخارجية الأميركية في الأيام الأولى للعدوان: إن المنطقة تمر بمرحلة مخاض لولادة الشرق الأوسط الجديد الذي ينسجم مع المخططات الأميركية للمنطقة وهذا ما يكشف ضعف الكيان الإسرائيلي وكرتونية المؤسسة السياسية والعسكرية التابعة له وأن جيش الاحتلال لا يملك القوة لتحقيق أهدافه عندما يجد أمامه أناسا مسلحين بالإرادة والصمود.
كما أن تقرير فينوغراد قد كشف أن حرب تموز قد فتحت عهدا جديدا من الحروب التي لم يعرفها هذا الكيان في تاريخ حروبه وأن عهد الحروب التقليدية قد انتهت, لكنه أشار إلى ضرورة أن يخطط إلى حرب جديدة, ما يتطلب الاستعداد الدائم للتصدي لهذا الكيان الذي يقوم على الحروب العدوانية وإفشال خططه الاستعمارية.
لقد و ثقّ تقرير فينوغراد انتصار المقاومة الوطنية اللبنانية تاريخيا وأكد على فشل نظريات الجيش الإسرائيلي التي تتمثل في نقل المعركة إلى أرض الطرف الآخر وإبعادها عن الجبهة الداخلية ومحاربة الوعي العربي من خلال الترهيب وشن الحروب العدوانية بكل وحشية ليخلق حالة رعب مستمرة عند العرب عموما وعند الأنظمة والقوى السياسة الضعيفة على وجه الخصوص لتتشكل على أنقاض هذه النظرية ثقافة المقاومة والصمود واستثمار انتصار المقاومة الذي أسقط ما يسمى بنظرية الردع الإسرائيلي لاستعادة زمام المبادرة للدفاع عن الأرض والحقوق العربية,ومع أن التقرير قد حمل جيش الاحتلال مسؤولية الأخطاء والإخفاقات في الحرب إلا أن الإسرائيليين الذين عاشوا 33 يوما في الملاجئ وشهدوا أطول حرب في تاريخ هذا الكيان يرون أن لجنة التحقيق تواطأت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرات الفاقد للشعبية وخففت لهجتها تجاهه ولم تطالب باستقالته حيث وصف محللون إسرائيليون التقرير بالعنزة التي أخرجت أولمرت من الوحل مشيرين إلى أن حجم التوقعات من التقرير يساوي حجم خيبة الأمل حيث كان من المتوقع أن يشير إلى أن أولمرت بعث الجنود الإسرائيليين إلى معركة لن يعودوا منها وأن ما يقال عن أولمرت ووزير حربه السابق ورئيس أركان حربه اللذين استقالا إثر فشل العدوان يقال الآن عن أعضاء لجنة فينوغراد الخمسة لأنها خففت لهجتها تجاه أولمرت ووقعت في تناقضات مع التقرير المرحلي الأولى الذي حمل أولمرت نتيجة الفشل والاخفاقات والخلل في اتخاذ القرارات.
كما أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن غالبية الإسرائيليين يطالبون باستقالة أولمرت حيث أظهرت الأرقام أن 75 بالمئة من الإسرائيليين يرون ضرورة استقالة أولمرت كل ذلك يعطي صورة واضحة عن حجم التداعيات لحرب تموز على الداخل الإسرائيلي.
وإذا كان تقرير فينوغراد لم يستخلص العبرة الأساسية للحرب وهي أن القوة العسكرية مهما طغت وبلغت وتفوقت ستعجز عن تحقيق أهدافها إذا كانت تتضمن كسر إرادة شعب على الحياة والعيش بحرية واستقلال وكرامة على أرضه إلا أنه اعترف علانية بالفشل والإخفاق في تحقيق أهدافه العدوانية وهذا يعطي الحق للمقاومة الوطنية اللبنانية تذوق طعم النصر الذي شكل نقطة مضيئة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ويحق للشعب العربي أن يفتخر بهذه المقاومة ويحذو حذوها في امتلاك روح التضحية والصمود لاستعادة الأرض والحقوق المغتصبة والدفاع عن السيادة والكرامة العربية.