فقد شغلني طهر الكون بلونه الابيض ساخراً من قتامة دواخلنا التي أذهبت الخديعة والجبن نقاءها, وشاب الحسد وضيق الأفق صفاءها..
قهقهت في داخلي وأنا اصفع نجلو المكان إلا من قليل الرجال.. هل اخطأت المكان أم الزمن?
لا.. فالوقت ليس العاشرة تماماً ولا يزال هناك خمس دقائق يتدفق بعدها الجمع الغفير من الكتاب ليناقشوا هموم الوطن ( كما أجابني أحدهم).
لم أشعر بفراغ القاعة وانا أدخل ا ليها , فقد انكفأ النظر الى الزمن القريب, الغني برموزه العظيمة حين لم يكن بعد اتحاد كتاب , بل اتحاد انساني لكتاب عظماء..
تلفت حولي فوجدت أبا تمام, وجميل مردم بك , ونزار قباني, ونديم محمد, وبدوي الجبل و.. و ..
كانوا يحملون تاريخهم بينهم , ووطنهم بعيونهم المعلقة على خريطة وطنهم الكبير, وشعبهم الهادر من المحيط الى الخليج يغني للوحدة التي حلموا بها , وللشعب الذي يتغنى بقصائدها وقد تلقفتها كما يتلقف الجائع رغيف الخبز الساخن..
سألت أبا تمام ان كان عضواً في اتحاد الكتاب , فأدار لي ظهره ساخراً, وعلمت انهم لا ينتسبون الى الاتحاد فقال لي أحد القلائل من زمني: مساكين, اذن هؤلاء لا ينتمون الى طابور الاتحاد, ولا يرأسون اجتماعاته, وليسوا في المكتب التنفيذي للاتحاد ولا رؤساء تحرير لدورياته.. وهذا يعني انهم لا يسافرون خارج سورية ليمثلوا بقاماتهم العظيمة ويحملون رايتها التي ينسونها في حقيبة الهدايا التي كانوا قد اشتروها للآخر انظري يا سيدتي اليهم.. انهم لا يجيدون الظرف, وتوزيع الابتسامات قبل الانتخابات التي لن ينجحوا فيها حتماً لأنهم غير متفرغين لهموم الاتحاد وحساباته الكثيرة بربك .. كيف اصبحوا شعراء وكتاباً على هذه السوية وهم بعيدون عن كل هذا انتفض شيء في داخلي, واستيقظت من شرودي وأوهامي لأرى القاعة تستقبل وجوه القادمين ما بين حالم , ومنكسر و...
حدقت في عيون الكثيرين, حاولت ان أرى حلم الوطن الكبير .. وفجأة تناهى الى سمعي همس من الماضي: الاحلام العظيمة على قدر الهامات العظيمة..
عدت الى واقعي, الى العدد المحيط بي, والذي لا يفي بغرض عقد المؤتمر..
قال صوت : الثلج هو السبب .. لم يستطيعوا الوصول .. ابتسمت بحزن : حجة يتدارى بها ممثلو الأدب كي لا يلومهم لائم بعدم شعبيتهم والايمان بالمواهب الفذة.. او ربما احتجاج عى تعديل سيصدر (لمصلحة الكتاب).
أو ان كثيرين خافوا ان يفقدوا بصيص أمل يعشش في داخلهم فآثروا البقاء في بيوتهم صوناً لأحلامهم وكرامتهم.
عدت ادراجي , كان الثلج لا يزال ناصعا يبشر بخير وعطاء, ومواسم تحمي شعبنا قرصة الجوع.. لكنه كان يتهكم في نفس الوقت من قحط دواخلنا, وجفاف قريحتنا, وأدران أثواب لبسناها لنزهو بمظهرنا ونخفي حقيقة نفوسنا..
أجل كان الثلج يشهد تكسر اقلامنا , وانكفاء احلامنا التي تشرنقنا بها فاختنقنا لضآلتها وغادرنا زمننا دون ان نترك أدباً بل..