تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أميركا على مفترق طرق!

دراسات
الخميس 7/2/2008
د . منير الشواف

إن وضع الولايات المتحدة الحالي يدعو للتأمل من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية فهو وضع مريب يجعل المراقب السياسي في حيرة من أمره, إذا أراد أن يعطى رأياً ظنياً احتمالياً في هذا الواقع الذي لم تشهده الولايات المتحدة منذ ولادتها عام 1776م,

هذا الوضع لا يشابهه إلا حال الولايات المتحدة عام 1932م, عندما كانت تعاني من أزمة اقتصادية خانقة تضعها على مفترق طريقين, إما الانضمام إلى مستوى البرازيل وفنزويلا والأرجنتين, أو التصدي لقيادة العالم وخروجها عن مؤثرات أصولها الأوروبية, بما في ذلك البريطانية والفرنسية والألمانية.‏

في هذا الوقت 1932م, قدر كبار أهل الفعاليات الاقتصادية, أن يقفوا صفاً واحداً سواء أكانوا جمهوريين أم ديمقراطيين خلف ترشيح رجل مصاب بشلل أطفال ولادي ليكون رئيساً للولايات المتحدة, وهو الرئيس الثاني والثلاثون, إنه الرئيس (فرانكلين روزفلت) حيث لا فرق في الحقيقة بين جمهوري وديمقراطي لأنهم جميعاً محكومون لطبقة رجال الأعمال الممولين الحقيقيين لحملات انتخاب الرؤساء, وهم حكومة المطبخ التي تفرض الرئيس وتستأجره لخدمة مخططاتها سواء أكان بمسمى جمهوري أم ديمقراطي.‏

عام 1932م كان يحكم ألمانيا النازية الفوهرر (هتلر) ممثلاً لرجال الصناعة والشركات الكبرى الذين أوصلوه للسلطة بشكل ديمقراطي ثوري ليرد على إهانة البريطانيين والفرنسيين لألمانيا في الحرب العالمية الأولى, وليمسك بالموقف الدولي في أوروبا والعالم.‏

وإن حرباً أوروبية واقعة لا محالة, وإن حرائق هذه الحرب ستصل إلى العالم بسبب طموحات اليابانيين الأسيوسية, ورغبة القيادة الشيوعية في موسكو بقيادة ستالين للانطلاق إلى السيطرة الفكرية على العالم بعقيدتها الماركسية المؤيدة بالقوة العسكرية.‏

إذن انتعاش الولايات المتحدة الاقتصادي, وخروجها لقيادة العالم, كان متوقفاً على نتائج الحرب المتوقعة في أوروبا.‏

فدخلت الولايات المتحدة الحرب على أثر قصف اليابانيين المنتظر والمتوقع لقاعدة (بيرل هاربر) صيف عام 1942 وأصبحت سيدة العالم منذ تاريخ هذا القرار, وهددت وحجمت المصالح البريطانية والفرنسية في العالم, بسبب الخسارة الواضحة للألمان والطليان واليابانيين, والخسارة الحقيقية والواقعية للبريطانيين والفرنسيين, وبذلك تغير مجرى العالم وانتقل النفوذ من أوروبا العتيقة إلى الأميركان والسوفييت.‏

والصورة الآن على النحو التالي:‏

الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة تسيران بطريق الوحدة الأوروبية الاقتصادية والسياسية ثم العسكرية, واليورو بحالة صعود وتماسك, والدولار بحالة ضعف بعد أن فصله الرئيس نيكسون عن الذهب عام .1973‏

روسيا تحاول أن تعود إلى دورها السابق في قيادة العالم أيام الاتحاد السوفييتي بعد أن تماسكت بناها التحتية وصانت قوتها النووية بجاهزية ملائمة, وأصبحت جاهزة للعب دور دولي يناسب حجمها الحقيقي.‏

الصين الشعبية تتمتع بأعلى نمو اقتصادي في العالم, فهي تغزو بالاقتصاد وليس بالعسكر, فهي البلد العظيم الوحيد الآمن داخلياً وخارجياً, فهي ليست بحاجة لأن تحارب أحداً فالجميع يطلب ودها ودعمها, وتشكل خطورة على الولايات المتحدة وهي داخل حدودها, فهي البلاد الواعدة والمهيأة مع الوقت لقيادة العالم. اليابان سخرت إمكانياتها التقنية وخبرتها العالمية لتغزو الأسواق الدولية ببضائعها ذات المواصفات العالية, وعندها القاعدة التكنولوجية للمدنية, وتستطيع أن تحولها إلى تكنولوجيا عسكرية إذا طلبها النظام الدولي في مدة وجيزة, وإذا ناسب ذلك مصالحها الوطنية.‏

الشرق الأوسط الجديد كما أسماه (بيريز) أو الشرق الأوسط الواسع, كما أسمته (كونداليزارايس) وهو المكان المضطرب وهو مستودع البارود, وهو مركز الفوضى الخلاقة أو البناءة كما أسماه بوش وهو حقل التجارب ومركز الصراع الذي اختارته أميركا كورقة لتبقى القوة العالمية الوحيدة الممسكة بالقرار الدولي, وذلك على حساب دماء وشعوب هذه المنطقة, فشعبه مستعد للتضحية ولا يبالي بالخسائر البشرية أو المادية, لأن عقيدة أهله لا ينطبق عليها علم المنطق, فهو اعتاد أن يغلب الروحانيات على الرياضيات.‏

لم تنه الولايات المتحدة ولا أزمة دولية في الشرق الأوسط, بل اكتفت بسياسة إدارة الأزمات لماذا?الأوضاع في أفغانستان تزداد توتراً ودموية وفي العراق تزداد عنفاً وتشظياً,في بلاد الشام لا تزال قضية فلسطين مركز الانفجار الكوني, فقد حقنت الجميع بالشحناء والبغضاء, حيث مكنت اسرائيل من ذبح أهل فلسطين على مسمع ومرأى من فضائيات العالم, وأوصلت المنطقة إلى طريق مسدود لا تحله إلا الفوضى الهدامة التي اعتمدتها, فهي التي تزيل الحدود والوجود وتخترق التاريخ والجغرافيا, من أجل مصالحها ولو على حساب دماء الشعوب.‏

أضعفت بنية باكستان السياسية والعسكرية, لتكون بلداً جاهزاً ومهيأ لحروب أهلية ومذهبية ودينية تمتد نارها إلى أفغانستان وإيران والهند, وربما تكون عاملاً مقلقاً للصين وروسيا من الناحية الحدودية والأمنية.‏

استغلت خطة الأوروبيين في -دعم حروب الإرهاب الدولي- فيما أسمته الإرهاب الأصولي, والمقصود منه إضعاف الولايات المتحدة داخلياً وخارجياً, لتكون أداتها في إضعاف الأوروبيين وتحجميهم, في جعل هذه الحروب وسيلة من وسائل الفوضى الهدامة لتفجير موازين العالم السياسية والاقتصادية, وتوريط أوروبا مع المسلمين في حروب دينية.‏

لكل ما ذكر يجد الباحث نفسه في حيرة أمام سياسة الولايات المتحدة, وهي على أبواب انتخابات رئاسية قضى فيها الرئيس بوش فترتين انتخابيتين, لم يحقق فيهما شيئاً على صعيد قيادة الولايات المتحدة للعالم, واعتراف العالم بهذه القيادة, وهو الموضوع الذي من أجله انتخب بوش بقوة قرار المحكمة الدستورية العليا وبأغلبية (507) أصوات عن ولاية فلوريدا التي منحته أصوات مجمعها الانتخابي فكان من الفائزين.‏

والمتابع للانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزبين الديمقراطي والجمهوري, لا يلمس جدية الترشيح ولا جدية المرشحين, سواء أكانوا جمهوريين أم ديمقراطيين, فخطة الديمقراطيين تكمن في ترشيح زوجة رئىس سابق مقابل أميركي أسود من أصول كينية, لا يستطيع أي واحد منهما أن يكمل الفوضى الدولية التي بدأها بوش ومن وراءه من أهل الفعاليات الاقتصادية, والجمهوريون يرشحون قساً, وآخر على المذهب المورموني, وآخر من أسرى حرب فيتنام, وهو الوحيد الجدير بدخول سباق الترشيح, ولكن أين الرأي العام الجمهوري في أميركا الذي سيحمل (ماكين) للرئاسة, إنه غير موجود حالياً, إلا إذا استجدت أمور دولية خارجية حصراً قبل موعد الانتخابات في شهر تشرين الثاني من هذا العام.‏

وخلاصة الرأي هو أن الذين أوصلو بوش للحكم لم يقرروا إنهاء خدماته بعد, وهو أتقن هذه اللعبة الخطرة التي أدخل بها واستؤجر لها, والتي على نتائجها سيتقرر مصير الولايات المتحدة ومصير العالم.‏

فعلى أصحاب القرار فيها أن يقتنعوا بأن التحول التاريخي حتمي, وهو ليس في صالح بقائهم على رأس السياسة الدولية, وإن دورهم التاريخي الذي أعقب إنهاء الحرب العالمية الثانية على رأس الهرم الدولي لن يستمر, وإن رأس الهرم حاد وقلق ومؤلم, فإما أن ينزلوا برغبتهم من خلال وفاق دولي وإنصاف وعدالة لشعوب العالم, أو يتم إنزالهم بدون رغبتهم, بقوة الموقف الدولي المستجد ولن يسعفهم التجديد لأنصار بوش, لأن الظروف الدولية عندما مددوا للرئيس (روزفلت) قد تغيرت كثيراً, فالولايات المتحدة كانت في عز شبابها وهي الآن في خريف عمرها. إنها وجهة نظر تحتمل الخطأ قبل الصواب ولكنها تستحق التأمل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية