في عام 1953 كانت أم كلثوم في زيارة إلى أميركا, فدعوتها إلى مطعم فاخر في واشنطن لتناول العشاء. وأرادت أم كلثوم أن تعمل فيّ مقلباً. فأخذت تضع اصبعها على أغلى أصناف الطعام, ومجاملة لها اخترت نفس الأطعمة التي طلبتها. وجاءت فاتورة الحساب. حملقت أم كلثوم في وجهي وهي تضحك. فقد أرادت أن ترى تعاستي وحسرتي بعد أن أعرف المبلغ المطلوب. وأردت أن أحرمها من متعة الشماتة بي, فتمالكت نفسي ولم أنفعل. وتظاهرت وكأن المبلغ المطلوب بسيط جداً. ثم وضعت يدي في جيبي لأخرج حافظة النقود. وإذ بيدي تخرج بيضاء من غير سوء. ووضعت يدي في كل جيوبي, فلم أجد أثراً للحافظة, وكانت أم كلثوم تراقب حيرتي وتعاستي بسعادة لا حد لها. وبين لحظة وأخرى تطلق نكتة على المفلس الذي دعا ضيوفه إلى العشاء.
قلت لها إنني نسيت محفظتي في الفندق, ورجوتها أن تبقى في المطعم حتى أذهب وأعود بالمحفظة. وإذ بها تقول ساخرة إنها ترفض أن تنتظر, لأنها تخشى ألا أعود. وطلبت منها أن تقرضني ثمن العشاء, وفتحت حقيبة يدها وأغلقتها, وقالت إنها نسيت هي الأخرى أن تجيء بنقود, وصدقتها, فقد كانت ممثلة بارعة.
وقلت لها إن معنى ذلك أن مدير المطعم سيأخدنا إلى نقطة البوليس, وسوف يضعنا في السجن, حتى يجيء من يدفع المبلغ, ولكن أم كلثوم استمرت تضحك وتتحدث عن المانشيتات التي ستنشر في صحف مصر بعنوان (القبض على أم كلثوم ومصطفى أمين لأنهما حاولا أن ينصبا على مطعم كبير في واشنطن).
وفجأة - يتابع مصطفى أمين: فوجئت بملاك من السماء. لقد كان أبو رزق صاحب أكبر محل للأزياء في واشنطن. وما كاد يرى أم كلثوم, حتى أصر على أن يدفع الحساب, وكانت أم كلثوم تقول: (مش ممكن مستحيل). وكنت أقول له: ادفع يا أيوب بك ما فيش فرق أبداً.
وبلغ الغيظ بأم كلثوم كل مبلغ من أبي رزق فقد فوت عليها لحظات ممتعة, وهي تتابع ورطة مصطفى أمين. بينما كان مصطفى أمين ينظر في وجه أم كلثوم وهو يضحك من غيظها. فقد انتهى المقلب على غير ما تشتهي وتتمنى أم كلثوم.