عند الكاتب الموسوعي الكبير الجاحظ- وكنا قدمناه في صفحات سالفة- فيتكلم على ولعه بالفكاهة والنادرة, حتى إنه لم يكن يبالي أن يضحك من نفسه, وقد روى جملة نوادر في ذلك. ولم يترك الجاحظ جماعة في عصره دون أن يداعبها بنوادره وفكاهاته.
وعلى الرغم من مكانته الأدبية التي يحتلها, إلا أنه كان يتسامح باللحن في النكتة, ولا يرى بأساً أو ضيراً من ذكرها بخطئها اللغوي, وله مذهب في ذلك يعبر عنه في (البيان والتبيين) حين يقول:
(ومتى سمعت- حفظك الله- بنادرة من كلام الأعراب, فإياك أن تحيكها إلا مع إعرابها ومخارج الفاظها. فإنك إن غيرتها بأن تلحن في إعرابها, وأخرجتها مخارج كلام المولدين والبلديين, خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير.
وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام, وملحة من ملح الحشوة والطغام, فإياك أن تستعمل فيها الإعراب, وتتخير لها لفظاً حسناً, أو تجعل لها من فيك مخرجاً سرياً, فإن ذلك يفسد الإمتاع بها,ويخرجها من صورتها, ومن الذي أريدت له ويذهب استطابتهم إياها, واسمتلاحهم إياها).
أما مكانة الجاحظ فلن نتكلم عنها في هذا الكتاب, ولكننا نذكر ما يأتي كما ورد في معجم الأدباء: قيل لأبي هفان:(لم لا تهجو الجاحظ, وقد ندد بك وأخذ بمخنقك? فقال :أمثلي يخدع عن عقله? والله لو وضع رسالة في أرنبة أنفي لما أمست إلا بالصين شهرة, ولو قلت فيه ألف بيت, لما طن منها بيت في ألف سنة).
أما فكاهته ونادرته وسخريته فتبلغ قمتها في كتابه (البخلاء) والبخلاء يظلون على مدى الأيام مادة خصبة للسخرية والتهكم.ومسرحية موليير الفرنسي التي تحمل اسم البخيل(L`Avare) دليل حي آخر على ما نقول.