بينها (أخبار الظراف والمتماجنين), وقد سبق أن عرضناه في هذه الصفحة, و(أخبار الأذكياء) و(أسماء الضعفاء والواضعين) و(الضعفاء المتروكين) و(أخبار الحمقى والمغفلين) وكنا قد بدأنا بالإشارة إليه من الصفحة السالفة,ونتابع اليوم عرض بعض ما جاء في هذا الكتاب..
قال بعض الشعراء:
إذا عرضت للفتى لحية وطالت فصارت إلى سرته
فنقصان عقل الفتى عندنا بمقدار ما زاد في لحيته (1)
أما صفات الأحمق المتصلة بخصاله وفعاله, فمنها تركه النظر في عواقب الأمر, وثقته بمن لا يعرفه ولا يخبره,وأنه لا مودة له, والعجب وكثرة الكلام, وقلة العلم (2).
وحذر ابن الجوزي من صحبة الحمقى, قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة, رجل يدري ويدري أنه يدري, فذلك عالم فخذوا عنه, ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري, فذاك ناسٍ فذكروه, ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري, فذلك طالب علم فعلموه, ورجل لا يدري ولايدري أنه لا يدري, فذك أحمق فارفضوه. (3)
وقد أنشد بعضهم:
اتق الأحمق أن تصحبه إنما الأحمق كالثوب الخلق
كلما رقعت منه جانباً خرقته الريح وهنا فانخرق
أو كصدع في زجاج فاحش هل ترى صرع زجاج يرتئق
كحمار السوق إن أقضمته رمح الناس وإن جاع نهق
أو غلام السوء إن أسبغته سرق الناس وإن يشبع فسق
وإذا عاتبته كي يرعوي أفسد المجلس منه بالخرق (4)
أما الحمقى الذين باتوا مضرب الأمثال فقد ذكرهم أبو هلال العسكري, تقول العرب: أحمق من هبنقة, ومن حنفة, ومن أبي غبشان ومن جحا ومن حجينة, أما البهائم فيقولون: أحمق من الضبع, ومن أم عامر, وأحمق من ذئبة لأنها تدع ولدها وترضع ولد الضبع, وأما الطير فيقولون: أحمق من حمامة لأنها لا تصلح عشها, وربما سقط بيضها فانكسر, وأحمق من نعامة لأنها إذا مرت ببيض غيرها حضنته وتركت بيضها, ومن عقعق, لأنه يضيع بيضه وفراخه, وأحمق من كروان لأنه إذا رأى أناسا سقط على الطريق فأخذوه. (5)
ومن مشاهير الحمقى هبنقة, من ذلك أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به, فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه, فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا, فمن أنا?
واختصمت طفاوة (6) وبنو راسب (7) في رجل ادعى كل فريق أنه في عرافتهم, فقال هبنقة: حكمه أن يلقى في الماء, فإن طفا فهو من طفاوة وإن رسب فهو من راسب. (8) وكان إذا رعى غنماً جعل يختار المراعي للسمان وينحو المهازيل ويقول لا أصلح ما أفسده الله.
.. وعلى الرغم من الاختلاف حول شخصية جحا وتقويمها, فإن ابن الجوزي يسلكه بين الحمقى, وذكر أنه اشترى يوماً دقيقاً وحمله فهرب بالدقيق, فلما كان بعد أيام رآه جحا فاستتر منه, فقيل له: ما لك تفعل كذا? فقال: أخاف أن يطلب مني كراه - أي أجرته.
كما أن جحا. كما حكي, دفن دراهم في صحراء وجعل علامتها سحابة تظللها!! واجتاز يوماً بباب الجامع فقال: ما هذا? فقيل مسجد الجامع, فقال: رحم الله (جامعاً) ما أحسن ما بنى مسجده!
ومر بقوم وفي كمه خوخ, فقال: من أخبرني بما في كمي فله أكبر خوخة, فقالوا: خوخ, فقال: ما قال لكم هذا إلا من أمه زانية...
وسمع قائلاً يقول: ما أحسن القمر, فقال: أي والله, خاصة في الليل. (9)
الهوامش:
(1) و(2) أخبار الحمقى والمغفلين - تصنيف الحافظ جمال الدين بن الجوزي
القرشي البغدادي (510 - 597 ه) منشورات دار السرور - بيروت ص 21- 24
(3) و(4) المصدر السابق - ص 28-32
(5) المصدر نفسه ص 31-32
(6) نسبة إلى طفاوة بنت جرم ريان, أم جاهلية ينسب إليها الطفاويون وهم أبناؤها من زوجها أعصر بن سعد بن قيس عيلان.
(7) نسبة إلى راسب بن الخزرج بن جدة بن جرم بن ريان, جد جاهلي.
(8) أخبار الحمقى والمغفلين - ص33
(9) المصدر السابق - ص 38-39