بقي المخطوط لفترة طويلة الهدف المنشود لدى هواة الكتب النادرة وظل سوق المخطوطات سوقاً رفيع المستوى، إذ لم يكن عدد مقتني المخطوطات
يتجاوز أصابع اليد، وأمام ندرة العرض تابعت الأسعار ارتفاعها بفضل شريحة من هواة جمع النفيس هذا إلى أن دخل اليوم في البورصة الدولية إلى جانب المعادن الثمينة.
مدير متحف الآداب والمخطوطات في باريس جيرار ليريتيه من أبرز عشاق تلك النفائس وهاوي جمعها منذ ثلاثين عاماً أقدم على اقتناء حفنة منها خلال عشر السنوات الأخيرة ما سبب رفع أسعارها بشكل غير منتظر.
إن عالم هواة جمع المخطوطات هو عالم شديد التعقيد والذي يريد الانضمام إلى ناديه يحتاج إلى مستشارين متخصصين في هذا المجال فالأمر لا يقتصر على توفر المال وإمعان النظر بل يحتاج إلى معرفة وتخصص.
يقول أنطون كورون مدير محفوظات الكتب النادرة في المكتبة الوطنية الفرنسية: «المعرفة التخصصية في تناقص ولابد للقطع الثمينة أن تجذب كل الانتباه».
اليوم يقتصر السوق على النصوص المهمة وعلى الكتّاب والمؤرخين الكبار، فهناك كتّاب لا يدخلون بورصة السوق ولا تدخل أسماؤهم في المعايير المتداولة مثل بودلير وبروست وسيلين وجان جونيه وايونسكو لأن مخطوطات هؤلاء لا تقدر بثمن في حين وصلت مخطوطات آخرين إلى ذروتها أمثال موران مورياك وجيد و كوكتو، ولا يزال العرض واسعاً والمزادات خير دليل، مخطوطة سيلين مثلاً "الرحلة إلى آخرالليل" وصل سعرها إلى 1.82 مليون يورو وكان حق الأولوية في شرائها للمكتبة الوطنية منذ العام 2001.
في العام 2009 تم شراء مخطوطة "أرض الرجال" بخط الكاتب الطيار سان ايكزيبيري بقيمة 300000 يورو، ومن المنتظر أن تباع رسالة الاقتصادي الكبير تورغو إلى لويس السادس عشر التي يعرض فيها خطته للإصلاح المالي في فرنسا ويقدر لها أن تباع بحوالي 25000 يورو، وفي كانون الثاني 2009 وصل مخطوط "أزهار الشر" لبودلير إلى 620000 يورو، وهناك ضربات كبرى وخطوات جريئة كالتي خطتها المكتبة الوطنية عندما اشترت مخطوطات كازانوفا بسعر فاحش (7 ملايين يورو) منذ مدة قصيرة، وقد يعدّل أحياناً الهواة جنونهم هذا ويخففون من حدته. والجدير ذكره أن الأزمة المالية لم تؤثر على سوق المخطوطة.
ويفتتح متحف الآداب والمخطوطات في باريس أبوابه ليلبي حاجة السوق ووكالات الاتجار إذ يعتبر هذا المتحف واجهة لشريحة من المستثمرين، وقد تجدد بعد أن اكتسى حلة جديدة وإذ يكرس نسخته اليوم لإرث مارسيل بروست الثمين حيث يقوم بعرض مئة وستين مستنداً: رسائل، صور، إهداءات تتيح التقاط تفاصيل الحياة الاجتماعية التي عاشها الكاتب، نصوص وعبارات لم تنشر من قبل، رسالة استرحام موجهة إلى أمه، كما يعد ليريتيه بعرض تحف أخرى نادرة.
حوالي 1000 رسالة بخط كتاّبها الأصليين، رسومات ومنشورات سيتم عرضها بالتناوب لأن أوراقها القديمة لا تتحمل العرض الطويل. هناك كنوز تظهر لأول مرة كالوثيقة التي دفع فيها جان لوبون الثاني الفدية في 13 أيار عام 1368.
كما يوجد في حيازة المتحف رسائل متبادلة بين الرسامين مانيه ومونيه وغوغان أوتولوس لوتريك، توزيعات موزارت الموسيقية بخط يده، وقطع شوبان وديبيسي. أيضاً بيانا السوريالية الشهيرين لأندريه بروتون والقطع الشعرية التي كتبها فيرلين في سجنه «قصائد الزنزانة».
رسائل بخط فولتير وموليير وبودلير، والتحفة الأخيرة التي تم شراؤها من هاوي مخطوطات أميركي هي الإعلان الأصلي أو التصريح المكتوب بخط لويس السادس عشر عشية هروبه إلى فارين عام 1791 والذي اعتبر الوصية السياسية للويس السادس عشر وهذا المخطوط كان قد خرج من فرنسا عبر وسيط أحد أكبر باعة الكتب وبقي مفقوداً.
صفحة أخرى من التاريخ حضرت في المتحف هي الرسالة التي تعلن عن استسلام النازية ونهاية الحرب العالمية الثانية. بتوقيع الرئيس أيزنهاور في 7 أيام 1947 موجهة إلى رؤساء الأركان لقوات الحلفاء.
وللعلوم حصتها في هذا المعرض حيث نجد مخططات وحسابات ألبير أينشتاين في نظريته النسبية أيضاً مخطوطة جوزيف مونكلفير مخترع المنطاد بتاريخ 1784.
يقول جيرار ليريتيه: ندور أنحاء العالم كلها لنعثر على هذه الكنوز لتلك الأسماء الكبيرة وما زلت أبحث عن رسائل رونزار وجان دارك. ورغم أن حق الأولوية في شرائها للأرشيف الوطني لكننا نجد الكثير منها حتى لو اقتضى الأمر دفع أموال طائلة كما حصل معنا بالنسبة للمخطوطات الأدبية. يقول فريديرك باران خبير المخطوطات:
إن اقتناء أي مخطوط لأديب كبير يجعلك أقرب إلى موقع الأديب وأكثر التصاقاً به، وتلك خطوة شديدة الخصوصية ولا يمكن أن تحصل معك في بحثك عن كتاب في مكتبة، المخطوطة هي أكثر أنواع الكتابة تنبض بالحياة.