احياء للذكرى المئوية الثانية لولادة هذا الموسيقار المبدع وتخليدا لفنه الرفيع الذي تخطى كل الحدود فأمتع الانسانية بدون تمييز.
والقت الدكتورة العطار كلمة في بداية الامسية الموسيقية للفرقة السيمفونية السورية الوطنية على مسرح الاوبرا قدمت في مستهلها العزاء للشعب البولوني الصديق بالفاجعة التي أصابت هذا البلد بسبب تحطم طائرة الرئيس البولوني قبل عشرة أيام.
وقالت الدكتورة العطار.. كنا نتمنى أن نأتي هذه الامسية في جو آخر مختلف.. لكن السفير البولوني وباسم بلده أراد أن يكتفي بأيام الحداد السبعة والا نرجئ احتفالا كان مقررا من قبل بالموسيقي العظيم شوبان في مئويته الثانية.
واضافت نائب رئيس الجمهورية.. اذا كانت الموسيقا هي الحياة أصلا وفرعاً فإن النفس وفي كل حالاتها تحتاج الى الموسيقا لتترجم عنها.. ومن هنا كان اقتران الوان المشاعر في صخب الاصوات وتحنانها.. وعصفها وزئيرها.. وما تفيض به النفس من حزن طاغ.. أو أسى مؤرق.. أو أشواق وأحلام.. هو النغم الذي من سلّمه نقفز جميعا الى النجوم.. متخطين اليومي من أحداث حياتنا ومعاناتنا.. الى كون من الصفاء الانساني الباعث على التأمل الخلاق.
وتابعت الدكتورة العطار.. الابداع يرتفع في مداراته الانسانية الى افاق لا تحجبها حدود.. فلا تمايز ولا تمييز.. بل هو بهاء العطاء الفني الشاعري الذي يشكل الرابط الانساني الاسمى .. ويرسم بأشعته التنويرية.. علاقات تصفو وترتقي.. متخطية كل الحدود.. ذاهبة في مداها الى أبعد من مسافات الظن.. حيث يسفر الفن المبدع عند نجمة في الاعالي.. وشفق في تخوم الافق.
وقالت الدكتورة العطار.. الفن في كل بلد هو كنزه.. مجده واطلالته على الدنيا.. القا يتضوأ أنغاما رائقة.. باقية.. دنيا من مباهج الخيال.. في شطحاته المدهشة والبريئة.. الموشاة بايقاعات الربيع.. وأناقة الاداء.. وحلو الرؤى مشيرة الى أن المحتفى به المبدع المتفرد واحد من أبرز فناني هذا الكون.. وبموسيقاه العظيمة.. الموارة بالاحاسيس الانسانية.. النابضة بالنقاء المتحول نغما.. جدير بهذه الاحتفالية التي تبنتها اليونيسكو.. وبأن نجتمع على اسمه فنانا وانسانا.. قلبه النابض أبدا في بولونيا.. وجسده مسجى في باريس.. تكرمة له.. للفن.. لواحد من أبرز مبدعيه.
وتابعت الدكتورة العطار.. قلت في نفسي وأنا أستمع اليه أول مرة.. منذ زمن بعيد.. حين كنا لا نزال طلابا.. وفي قاعة تتسع للالاف في لندن.. تلك هي الموسيقا... موسيقاه التي تحس ولا ترى.. تنساب في فضاءات الزمن.. والحياة.. والكون.. انسيابا ناعما.. أخاذا.. اسرا.. في الاذن والقلب والسمع.. وفي ملامستها للروح تحرك أحاسيس غامضة.. بعضها للسكينة والطمأنينة.. وبعضها الآخر للشجن الوجدي.. وتحرك ما سكن في المحيط الاثيري من حولنا.. فهي تتصعد بنا الى الاسمى.. تحلق.. ترتفع الى الاعالي.. اخذة بنا معها.. ثم تتطامن شيئا فشيئا.. على هون من الرقة.. واضعة أجنحتنا المرنة معها.. في مجرى تيار.. يتحرك بريشه المخملي.. على أديم المحسوس.. من الواقع الذي انطلقت منه.. في رحلة التصعيد.. حيث يأتي بعد ذلك الشعور بالتنزال من حالق كنا فيه نطير.. نسبح.. نرتاد المجهول معها.. الى الإفاقة من الانخطاف اللاواعي.. الى الشعور الواعي.. كمن يستيقظ من حلم مهدهد للمشاعر.. عذب.. حلو.. ملون بأطياف الرؤى.. يستيقظ مما كنا فيه.. الى ما صرنا اليه.. وبين انطباق الهدبين.. وافتتاحهما.. الوان من الجمال.. من دنيانا.. وليست منها في آن.
وتساءلت الدكتورة العطار.. تراه صحيحا أن الفنان يجمع في ذاته وداعة الطفل.. وروعة الطبيعة.. وأشواق الانسان.. وأشجانه.. وبوح الوجود.. كما يحمل في عبقريته أسرار دنياه.. وعوالم المجهول.
وحيت نائب رئيس الجمهورية البلدين الصديقين بولونيا وفرنسا متمثلين بسفيريهما وضيوف المناسبة خاتمة بالقول.. أهلا بكم في دمشق.. رسل شوبان العبقري.. تنزلون بها رحبا.. وتلتقون فيها زملاء ومعجبين وجمهورا يقدر أصالة الفن.. والمعنى الوجودي العميق له.. معا ننعم بالآسر من موسيقاكم.. ومعا نرسم افاق مستقبل باذخ بروائع الابداع.
وتحدث السفير البولوني بدمشق ميخاو موركوتشينسكي عن الموسيقار شوبان وأعرب عن تقديره للتعاون الذي أبدته سورية في احتضان هذه الفعالية في اطار الاحتفالية المئوية الثانية لميلاد هذا الموسيقار التي تنظمها بولونيا لاحياء عام 2010 عام شوبان.
من جانبه قال السفير الفرنسي ايريك شوفالييه ان حياة شوبان الذي يتحدر من أب فرنسي وأم بولونية ودرس في بولونيا وكتب وأنتج معظم نتاجه الموسيقي في فرنسا تعتبر مثالا على ما يمكن أن ينتجه حوار الحضارات والتلاقح الثقافي.
ثم قدمت الفرقة السيمفونية السورية الوطنية بقيادة الموسيقار البولوني فويتشخ تشيبل ومشاركة عازف البيانو البولوني يجيه سترنياك مقطوعات من موسيقا شوبان حركت بعضها أحاسيس الشجن فيما تميزت المقطوعات الاخرى بالفرح تتراقص حينا وتخبو حينا آخر لتعود وتنطلق من جديد.
وغلب على المقطوعات المؤداة الجمل الموسيقية البسيطة الهامسة المشحونة بالشاعرية والانفعال ولاسيما أن آلة البيانو استطاعت ان تقود الآلات الاخرى وتتوالف معها الى حد أمتعت الجمهور وأدخلته الى عالم موسيقا شوبان المفعمة بالعاطفة والشجن.
وضم المعرض المرافق للاحتفالية أكثر من 25 صورة ضوئية عن حياة وانجازات الموسيقار الشهير منذ ولادته وحتى وفاته حيث تضمنت كل لوحة صورا له ولبعض الافكار التي كتبها ونماذج من ابداعاته الموسيقية اضافة الى بعض المقالات الصحفية التي تناولت أعماله وفنه.
وجاءت هذه اللوحات مدعمة بشروح بعدة لغات من بينها اللغة العربية يمكن من خلالها تكوين لمحة جيدة عما قدمه شوبان للعالم من مؤلفات وابداعات موسيقية.
حضر افتتاح المعرض والامسية الموسيقية الدكتور غياث بركات وزير التعليم العالي والدكتور محسن بلال وزير الاعلام وعدد من السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون بدمشق وحشد من الموسيقيين والمهتمين.
وأقيم المعرض والامسية بالتعاون بين دار الأسد للثقافة والفنون والسفارتين البولونية والفرنسية بدمشق ومؤسسة تكوين الثقافية في اطار احياء بولونيا للذكرى المئوية الثانية لميلاد الموسيقار فريدريك شوبان التي تشكل فرصة لبناء جسور بين مختلف الثقافات بلغة الموسيقا.