تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البيت الحموي مثال للطراز المعماري للبيت السوري

ملحق ثقافي
2012/10/23
شكل مرور نهر العاصي وسط مدينة حماة وانتشار المساحات الخضراء الواسعة على ضفافه واعتدال الطقس والطبيعة الساحرة التي تمتاز بها المدينة البيئة الملائمة لإقامة الإنسان منذ قرون طويلة،

وانعكس ذلك على واقع وطبيعة البيت الحموي الذي يمثل حديقة غناء توفر للقاطن الراحة والحياة الرغيدة.‏

وأوضح المهندس أيمن السوس رئيس دائرة حماة القديمة أن البحرات ونوافير المياه زينت معظم البيوت الحموية القديمة التي تعتمد في إيصال المياه لها على أسلوب جر مياه الري والشرب من نهر العاصي إلى المنازل، إما بقنوات تمر تحت هذه المنازل أو ضمن جدرانها عبر قساطل فخارية.‏

ولفت إلى أن من ينظر إلى البيوت الحموية القديمة يكتشف العلاقة الجدلية والمتينة التي تربطها مع الطراز المعماري لباقي المباني والبيوت في المدن السورية الأخرى والتي تبدو بشكل واضح في البيوت الدمشقية المتميزة بكثرة الخضرة ووجود الأشجار والزهور والنباتات العطرية بمختلف ألوانها وأشكالها وروائحها. غير أن أغلب البيوت الحموية كانت نقوشها وزخارفها أقل صنعة وتكلفة من مثيلاتها الدمشقية، وهذا يعود إلى الفارق الكبير بين الوضع المعاشي والمادي بين أهالي المدينتين.‏

وقال رئيس دائرة حماة القديمة: «إن البيوت الحموية القديمة كمعظم البيوت العربية المنتشرة في بلاد الشام، يتم الولوج إليها عبر ممر منكسر لضمان خصوصية عزل فنائها الداخلي عن الوسط الخارجي للوصول إلى الباحة السماوية التي تعد من أهم مكونات وأقسام البيت الحموي ففيها تمارس أغلب النشاطات المعيشية اليومية كما أنها تستضيف أجمل الجلسات العائلية والمناسبات بمختلف أنواعها».‏

وأوضح أنه تحيط بهذا الفناء مجموعة من الغرف متعددة الأغراض والاستعمالات وتشمل استقبال الضيوف والزوار والمبيت والمعيشة اليومية وغالباً ما يتصدر الفناء الداخلي الإيوان، وهو عبارة عن حيز بثلاثة جدران وواجهة مفتوحة باتجاه الشمال وهي أعلى من أرضية الفناء لضمان ارتفاعه عن باقي مواقع وأركان البيت ما يؤمن له أكبر قدر ممكن من أشعة الشمس شتاءً وتلقي نسمات الهواء الرطبة صيفاً، ناهيك عن أن علو الإيوان يجعله مطلاً ومشرفاً على كل أجزاء البيت بما فيها المدخل للتعرف على هوية أي زائر أو ضيف فور ولوجه فيه.‏

ولفت السوس إلى أنه غالباً ما توجد أدراج وسلالم حجرية تربط الغرف السفلية والعلوية، وهذه الأخيرة جرت العادة على تسميتها بالعلية باعتبارها أعلى من باقي الغرف أو اسم المشرقة كونها أول قسم في البيت يستقبل شروق الشمس علاوة على إطلالتها بشكل مباشر على المحيط الخارجي.‏

وبين أن المواطن الحموي حرص في الماضي على أن تكون جدران بيته بسماكات كبيرة بما يضمن العزل المناخي والبيئي والصوتي له ويحقق أعلى مستويات الهدوء والسكينة داخله، كما أن جميع نوافذ الغرف كانت واسعة وتطل على فنائه الداخلي في حين أن النوافذ الخارجية كانت صغيرة الحجم ومرتفعة بهدف تأمين مجرى هوائي جيد إضافة إلى حجب الرؤية من الخارج باتجاه فناء المنزل.‏

وبين المهندس السوس أن الحموي كان يهتم بتزيين وزخرفة جدران بعض الغرف دون غيرها للكلفة العالية لأعمال الزخرفة التي كانت تنحصر غالباً في غرفة استقبال الضيوف، وذلك للرغبة الفطرية للإنسان في التعبير عن ترف واقعه المعيشي والاجتماعي مستخدماً الزخارف والنقوش الجصية والكلسية والتي تسمى القيشاني الذي أتى من بلاد الشرق نتيجة الفتوحات العربية والنقوش والأعمال الخشبية الملونة المسماة العجمي إلى جانب استخدام الحجارة الملونة والرخام المرصع، في حين كان يعمد لتزيين الفناء الداخلي للبيت في زخرفة بعض الحجارة عن طريق نحتها يدوياً.‏

وأشار السوس إلى أن ما يميز العمارة الحموية وجود مصادر إنتاج الحجارة الكلسية البيضاء في مواقع قريبة ومحيطة لمدينة حماة حيث كان يتم تزيين هذه الحجارة وزركشتها بتطعيمها بالحجارة السوداء التي كانت تجلب من مناطق بعيدة وتستخدم في كسر المسطحات البيضاء الواسعة، وهذه خاصية وميزة لا تشاهد غالباً إلا في العمارة الحموية مقارنة مع باقي المباني المعمارية في المدن السورية الأخرى التي اعتمدت الطرز المعمارية فيها على استخدام الحجارة السوداء في البناء على شكل خطوط أفقية أو أجزاء كاملة.‏

بدوره بين مرهف أرحيم مدير سياحة حماة والباحث في التراث الحموي أن علاقة الإنسان الحموي بالطبيعة المحيطة به تجسدت بكثافة المزروعات داخل بيته سعياً وراء تأمين وسط بيئي قريب من الجمال الأخاذ والمناظر والحدائق الطبيعية المحيطة به على ضفاف نهر العاصي والبساتين المجاورة، فقد كانت البيوت الحموية تزخر بالأشجار المثمرة كالكباد والنارنج والبرتقال والليمون والشجيرات العطرية كالقرنفل والورد والفل والياسمين والزنبق إلى جانب شجرة العنب التي تسمى باللهجة المحلية الدالية التي تؤمن مساحات واسعة من الظلال في فناء البيت الحموي ودخولها في العديد من الأكلات الحموية الشعبية والشهيرة كاليبرق واليالنجي، علاوة على ما تمنحه هذه الشجرة من ثمار الحصرم الحامض والعنب الحلو ذي الطعم والمذاق المحببين.‏

يذكر أن عدد البيوت الحموية القديمة المسجلة في دائرة حماة القديمة في مجلس المدينة يبلغ نحو 1500 بيت موزعة في بعض الأحياء الأثرية كأسواق الشجرة والدباغة والباشورة والبرازية والبارودية والمدينة، وتتفاوت مساحتها وجماليتها وزخرفتها. وتحرص دائرة حماة القديمة على وضع البرامج والخطط واعتماد التدابير والإجراءات اللازمة لحمايتها وترميمها وإعادة إحيائها مع شوارعها ومرافقها العامة، كونها تشكل أحد أهم رموز وملامح الهوية الحضارية والثقافية لمدينة حماة وشاهداً حياً على عراقة وأصالة أهلها وأنماط معيشتهم وسكنهم التي كانت سائدة في الماضي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية