تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عين ديوار آثار خالدة تنتظر العناية

ملحق ثقافي
2012/10/23
إدريس مراد:تعد بلدة عين ديوار التي تقع في أقصى شمال شرق سورية التابعة لمنطقة المالكية «ديريك» من المواقع الأثرية الخالدة،

فكل شبر من سهولها وهضابها له حكايات وحكايات، حيث أن على جانبي الطريق الممتد من المالكية إلى عين ديوار تمتد سهول خضراء بين الكتل البركانية السوداء، ويمكن للناظر من تل هذه البلدة رؤية سلسلة جبال طوروس بوضوح. وفي أسفل التل يجري نهر دجلة بغضبه المعتاد.‏

ومن أهم المعالم الأثرية في هذه البلدة هو “الجسر الروماني” أو حسب ما يسميه أهل المنطقة “برا بافت” تلك الأيقونة الجميلة التي تحمل لنا الكثير من الألغاز والكنوز التاريخية، تقع آثار وبقايا هذا المعلم الأثري على نهر دجلة وإلى الشمال من قرية عين ديوار, وحالياً يمر نهر دجلة من شمال الجسر بعد أن غير مجراه شمالاً. وتقع في الجهة المقابلة للجسر من الشمال جزيرة بوطان « ابن عمر» المدينة التي شهدت قصة ممو زين الشهيرة وكان الجسر في الماضي ممراً لكل القوافل التجارية التي كانت تعبره من الشمال إلى الجنوب وبالعكس وذلك من خلال جزيرة ابن عمر التي كانت مركزاً لإحدى الإمارات الهامة في تلك الأيام وكذلك لمراقبة السهول الجنوبية.‏

وجسر الرومان عبارة عن قنطرة يقدر ارتفاعها بخمسة عشر متراً. وقد بني الجسر بغاية الأحكام واستخدموا في بنائه حجارة منحوتة، دقيقة مستطيلة صفت في خطوط متوازية منتظمة، أحسنوا نحته ورصفه ولم يترك أي فراغ بين حجر وآخر، والبناء مؤلف من ركيزتين قويتين بعرض عشرة أمتار وارتفاعها تبلغ ثلاثة أمتار تقريباً، وتقوم القنطرة فوق هاتين الركيزتين بشكل نصف دائري بيضوية، والى جانب الركيزتين دعامة قوية مبنية بحجارة ضخمة، أما الدعامة الشمالية قد تهدم معظمها، أما التي على الشاطئ فارتفاعها نحو خمسة أمتار وهي على شكل مضلع ذي ثمانية سطوح، ومبني من الحجارة السوداء، وتاريخ بناء هذا الجسر غير معروف وكذلك العهد الذي ينتمي إليه، فبعضهم يقول إنه من بناء الساسانين ويقول البعض الآخر إنه من بناء السلجوقين.‏

وعلى أحد ركائز الجسر وزعت لوحات تجسد الأبراج الفلكية. ويذكر الألماني ارنست هيرزفلد في دفتر وأوراق ملاحظاته «عرش خسرو» سلسلة من ثمانية هذه أبراج الحجرية.‏

وهناك صور للجسر والأبراج بتاريخ 1911 نشر من قبل السيد/C.Preusser/ وهذه الصور واضحة التفاصيل بحيث كانت موضع الاهتمام. وعلى أساس هذه الصور اعتمد هيرزفلد تحليلاته عن الأبراج والجسر وكتاريخ للأبراج الحجرية كان هيرزفلد مصيباً في رأيه عندما أرخ اللوحات والجسر إلى النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي وممكن أن يكون هذا التاريخ مأخوذاً اعتماداً على أسلوب ونمط وزخرفة الأبراج نفسها.‏

وقد وصف هيرزفلد الأبراج الحجرية حسب الرسومات النافرة عليها وعلى الشكل التالي وهي تبدأ من اليمين: الميزان شرفه زحل، السرطان شرفه المشتري، القاهر شرفه الجدي، الشمس شرفها الأسد، الزهرة شرفها الحوت، السنبلة شرفها عطارد، القمر شرفه الثور...‏

ويرى ابن الأثير المؤرخ المعروف حيث ذكر في إحدى كتبه بأن جمال الدين أبو جعفر محمد بن علي بن أبي منصور الأصفهاني الوزير عند قطب الدين صاحب الموصل قام ببناء الجسر. ‏

والوضع الراهن للجسر أنه لم يتبق منه سوى ركيزيتن من الجهة الجنوبية والشمالية وكذلك ركزتين مع القوس والأبراج في الجزء الجنوبي من الجسر كان البرج أو الجسر على شكل ثلاث قناطر وبفعل عوامل الجو انحسرت ولم يبق منها سوى ضلع واحد عليها اثني عشر برجاً. ولكن تعرض هذا الصرح الأثري للسرقة من قبل العابثين والذين لا يملكون في قلوبهم ذرة حب لهذا الوطن وتاريخه, وبالتالي لم يبق من الأبراج الاثني عشر إلا أنقاضها.‏

يقول السيد «سعيد أبو جان» من أهالي المنطقة: «كان ينبغي على وزارة السياحة أو مديرية الآثار والمتاحف الاهتمام المبكر بهذا المعلم التاريخي لسورية، وألا تتركه عرضة لكل ما هب ودب، وهذه البلدة لا تقتصر معالمها التاريخية على هذا الجسر فقط بل هناك قبور تقع بجانب «كانيا غيدا» أي نبعة غيدا وأيضاً تعرضت للنبش والسرقة، وأنا أناشد كل المعنيين بالاهتمام أكثر بهذه المنطقة التي تمتلئ بالكنوز الأثرية والتي تحكي آلاف الحكايات عن تاريخ أجدانا».‏

وبدوره يقول السيد مروان الخير أستاذ للمرحلة الابتدائية: «أعمل في سلك التدريس من عشرين عاماً في هذه المنطقة، وعين ديوار هي المنطقة التي تستقبلنا من خلال عدة رحلات سنوية لطلابنا، نحتار ماذا نقول عندما يسألونا عن هذا الإهمال الذي تعاني منه هذا المنطقة الأثرية».‏

وصادفت كهلاً يجلس على حجر كبير وهو يتفرج على المناظر الخلابة، نهر دجلة، جبل جودي، جبال طورس..، بعد أن رد سلامي قال لي أنا عمك أبو أحمد، عمري سبعون عاماً، سألته عن جسر الرومان وما تناقل عنه شفوياً، فأردف قائلاً: «يقال إن هذا الجسر بناه شخص يسمى «هوستا حنا» بطلب من أمير المنطقة منذ مئات السنين بحيث يبني جسراً لا مثيل له على نهر دجلة فكان جسر الرومان، ويقال أيضاً بأن الأمير قد بتر يد «حنا» بعد أن أكمل بناء الجسر لكي لا يبني غيره». بين الحكايات الشعبية والقليل ما كتب عن منطقة عين ديوار وجسرها المدهش يضيع التاريخ الحقيقي لمنطقة تاريخية هامة في سوريتنا الحبيبة، ولذلك ينبغي القيام بالعديد من مشاريع التنقيب والاهتمام الأكبر، مع العلم بأن مديرية الآثار بالحسكة قد قامت بترميم بسيط للجسر منذ فترة وجيزة ونستطيع تسميتها بخطوة مقبولة رغم بساطتها. أن لم نقم بخطوات عاجلة تجاه هذا الصرح التراثي سيلحق ما تبقى منه بالذي رحل.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية