إنه الأديب والشاعر الألماني «غونتر غراس» الذي يحتفى به بعيد ميلاده الـ 85 , والذي تابع غضبه في كتاباتٍ اعتبرها رسائل مضمرة وصرخات احتجاج، كانت سبباً في تلقيبه بـ «أديب ألمانيا الغاضب» ..
الأديب الذي هدف من كتاب سيرته الذاتية «جلود من بصل» إلى تقديم اعترافات, وإن قامت سلطات الابتزاز والهيمنة برفضها وإدانتها إلا أنه لم يخشَ تهديداً أو منعاً أو تشهيراً حينما ذكر فيها: “في فتوّتي, خدمت في فرق الأمن الألمانية.. اخترت ذلك بإرادتي. كان الجو النازي جارفاً للفتيان الألمان وكنتُ صغيراً. بعدها أدركت بأن للتبعية الفكرية والروحية والمادية, وجهٌ واحد”.
إذاً.. هو لم يكن ليصمت أبداً تجاه ما رأى بأن من الأخلاق ألا يسكت عنه, وخصوصاً بعد أن تفاقم إحساسه بأن الدول الممتلكة للترسانة العسكرية, ورأس حربتها “إسرائيل”, هي من لا يريد السلام والأمن للعالم، وبأنها من يتحكّم بمقدرات وأوطان الشعوب الضعيفة, ما دفعه للخروج عما تبقى لديه من صمتٍ طويل ليصرخ بعدها غاضباً:
“لماذا أصمت, لقد صمتُّ طويلاً؟
لماذا أمتنعُ عن تسميةِ ذلك البلد
الذي يمتلك ومنذ سنوات, رغم السرِّية المفروضة
قدرات نووية متنامية, لكن خارج نطاق المراقبة
لأنه لا يسمح بالكشف عليها؟
هذا ما قاله «غونتر غراس» في “ما يجب أن يقال». القصيدة التي أثارت جدلاً واسعاً والتي عرَّضته لهجمةٍ شرسة من اللوبي الصهيوني وقادة إسرائيل وألمانيا, وبسبب ارتفاع صوته رفضاً وغضباً من التعنّت الصهيوني وتعطشه الدائم للقتل والبطشِ, أيضاً بسبب انتقاده لحكومته التي تزوّد إسرائيل بغواصات قادرة على حمل رؤوسٍ نووية, وهو ما اضطرّه للتنديد بصمتِ العالم الذي ترك إسرائيل تتمادى في بناء ترسانتها العسكرية, وفي الوقت ذاته الذي تهدّد فيه بإبادة «إيران» باعتبارها تطوِّر أسلحتها النووية.
“لماذا التزمتً الصمت كل هذا الوقت؟!
ألأني اعتقدتُ أن أصولي الملوَّثة بجرائم غير قابلة للغفران
تمنعني من أن أعبِّر عن هذه الحقيقة؟
بنفسِ الوقت.. أصير على مراقبة دائمة
للترسانة النووية الإسرائيلية»..
أيضاً, أراد «غراس» في «ما يجب أن يقال».. أن يرتفع صوته ليرتدّ الصدى عاراً لا يمكن التسامح فيه لطالما, هو إدانة لجريمة ضاق صمتاً حيالها وحيال بلده الذي ورَّد لها الأدوات, وكذلك حيال نفاق الغرب المتخاذل والصامت..
لا شكَّ أن كل هذا, دفعه للمزيد من التمرّد, وللمزيد من الغضب الذي سكبه دفعة واحدة في قصيدته الأخيرة «عار أوروبا» التي قال فيها:
“بلا روحٍ سوف تصبحين من دون البلد
الذي من روحه, أنت يا أوروبا, ابتُكِرتِ ..